التعود ... دوران في الفراغ !!!

           م. هاشم نايل المجالي

الانسان عندما يتعود على شيء ما فانه يجد نفسه فيه تدريجياً ، فما كان لا يرضاه ولا يقبله في بداية الامر فمع مرور الايام سيتعود عليه ويقبله ويتعايش معه ، فاذا كان يحارب وضعاً فاسداً ولم ينجح في تغييره فالخيار الاخير له  هو ان يتعايش مع الوضع الفاسد مقنعاً نفسه ان ذلك ليس بالأمر الخطير اي انه مع الايام سيصل الى مرحلة التبلد وهذه هي حقيقة لا يستطيع احد ان ينكرها ، اي انه في نهاية المطاف سيستسلم للامر الواقع لانه لن يستطيع تغيير اي شيء في ذلك ، فقدراته محدودة وامكانيته ومحاسبته ومعاقبته واردة باسلوب او بآخر .

وها نحن نشاهد دولاً وشعوباً تعودت على الظلم حتى استساغته وخضعت له واصبحت متبلدة واصابها الجمود ، فالدول المجاورة تجد ان الدول الكبرى والمجاورة لها تستبيح لنفسها التدخل في شؤونها الداخلية وتستبيح اراضيها وتقتل من تشاء دون حسيب او رقيب وتنهب خيراتها دون ان تعترض ، فلقد تعودت على ذلك فها هي المواقع العسكرية والمدنية بتلك الدول تقصف من قبل الطائرات الاسرائيلية دون ان يكون هناك اي رد فعل على ذلك ، فلقد تعودت على ذلك واصبح الامر روتينياً واصبحت طريقة التفكير منسجمة مع ذلك الامر فلقد تعودت القيادة الحاكمة والعسكرية وحتى الشعب على ذلك .

فكثير من القضايا الوطنية التي ارهقت الاقتصاد وارهقت الشعب لكن كل المساعي لمعالجة الاسباب التي ادت الى ذلك باءت بالفشل ، وبقي المصلحون يدورون حول نفس النقطة وفي حلقة مفرغة ، اي انه سيصل الى درجة او مرحلة التعود على القبول بالامر المفروض عليه ، وكما نعلم فان التعود متاهة يضيع في جوانبها كل من يجهل نتائجها فتلك المتاهة ستؤدي حتماً الى نتائج سلبية ان لم تتضح معالم الطريق السليم للاداء .

اما عندما ندرك ونميز الصح من الخطأ فاننا سنخرج من تلك المتاهة ونخرج من الواقع الذي اعتدنا عليه ، من هنا علينا القول بانه لا بد من ان نمسك انفسنا عن التعود بالقبول بالخطأ حتى لو كان هناك من الاشخاص من يقنعنا بمدى ايجابيته .

كذلك الامر فلقد تعودنا على اشخاص في مناصب رسمية عبر سنين طويلة ونحن نعرف انهم لم يقدموا شيئاً ولكن تعودنا على وجودهم حتى بتنا نقبل  بهم كأمر واقعي مهما كان اداؤهم .

ان علاقة التعود والقبول بالشيء والاستسلام له بالفكر والمعرفة والفعل والانفلات وعدم الانضباطية وانحطاطات الاخلاق والتخلف والتعاسة هي علاقة السبب بالنتيجة ، وسيؤدي ذلك الى انعدام المهارات الفكرية والعملية الايجابية والاصلاحية ، لانه لن يؤخذ بها اي ان الشخص عندما يتعود ان يقبل بالفساد والاخطاء وكل ما يفرض عليه دون تفسير او توضيح او تحليل او تقييم فانه يكون قد تبرمج من تلقاء نفسه على القبول بها وكل ما يشابهها ليكسب احترام نفسه ، حتى عليه ان يقبل اسوأ الصياغات الفكرية واحط العادات السلوكية ، كما وانها ستخضعه مع الزمن لأشد التصورات إمعاناً في الانغلاق والجهل بقالب سيء قد لا يستطيع الانفكاك منه .

لذلك فإن هناك اشخاصاً وافراداً وجماعات وشعوباً تعودوا على وضعهم بقوالب مصنعة للقبول بكل شيء يفرض عليهم حتى ان هناك كثيرا من العادات السيئة قد تعود الانسان مع التكرار على تكرارها والقبول بها حتى ولو كانت تضر به ، والشخص الذي اعتاد على الفوضى اصبح فوضوياً ولا يستطيع ان يلتزم بقانون لانه اعتاد الانفلات .

بينما الانسان المتحضر الذي اعتاد ان يكون ملتزماً وانضباطياً فانه يعتاد على ذلك بالقبول بالقوانين والانظمة المنسجمة مع ذلك ، فمثلاً اعتاد المعلمون في المدارس بالحضور والغياب بشكل غير انضباطي ، وعندما تم وضع اجهزة الدوام والحضور بالبصمة التي تلزمهم بالدوام ، فان البعض رفض ذلك لانهم تعودوا على الانفلات الذي اصبح اسيراً له ويواجهه صعوبة شديدة في الكف عن ذلك ، فكل ميزة لها ثمن وكل ربح في جانب يقابله خسارة بالجانب الآخر .//

فالانسان مسيّر بعاداته في التفكير والسلوك وفي نظرته لنفسه وللآخرين وفي تعامله مع ذاته ومع غيره ، وكلها ليست سوى عادات ذهنية وسلوكية سواء الصدق او الكذب والانضباطية او الفوضى او الانفلات او الاهتمام او الاهمال او المسالمة او العدوانية او الانفتاح والانغلاق او التوتر او الانبساط ، وعلى الموضوعية او الانحياز وعلى الاحساس بالعدالة وبحقوق الآخرين او عدم الاكتراث بهم او بما يعانون وهذه الصفات ليست في غالبيتها موروثه بيولوجياً ، وانما هي تطبع وتعود ، فهل يوماً ما سنغير من نمط تفكيرنا بالتغيير الايجابي المؤدي الى الاصلاح والعمل والانتاج ومحاربة الفساد بأسس علمية واخلاقية وقيمية وبفكر منفتح ، ام سنبقى بفكر منغلق ، بعد ان اعتدنا على كثير من الامور التي اضرت بالمواطن والوطن على انها امور اعتدنا عليها واستسلمنا اليها والتغيير سيضر اكثر مما هو عليه الآن .

                 

 

hashemmajali_56@yahoo.com