"الذكاء الاصطناعي في خدمة الانسانية"
"الذكاء الاصطناعي في خدمة الانسانية"
الدكتور غازي الجبور
يصادف اليوم الخميس الموافق 17/5/2018 الاحتفال السنوي باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات والذي يهدف إلى تأكيد وتجسيد الوعي بالإمكانات التي تتيحها التكنولوجيا في سبيل بناء وتطوير المجتمعات ودعمها اقتصاديا وحضارياً وسد الفجوة الرقمية، وقد جاء موضوع احتفالية هذا العام الذي أطلقه الاتحاد الدولي للاتصالات بمناسبة هذا اليوم "تمكين الجميع من الاستخدام الإيجابي للذكاء الاصطناعي" تجسيداً لهذا النهج خصوصاً إنه تم التركيز على الفرص التي تتيح إمكانية استخدامه للتعجيل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDG) التي حددتها الأمم المتحدة بحلول عام 2030.
يُعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم التطورات التي نشهدها في عصرنا الحالي بتأثيره الذي طال جميع مجالات حياتنا اليومية من أبسطها كالثلاجة الذكية والبيوت الذكية إلى ما هو أكثر تعقيداً مثل القيام بالعمليات الجراحية المعقدة وغيرها من الأمور، ليس هنالك أدنى شك بأن تقدم الشعوب وازدهارها يتوقف على مواكبة هذا التطور والاستثمار فيه لتسريع وتيرة التنمية خصوصاً وأن حياتنا أصبحت تتجه نحو الرقمنة أكثر فأكثر؛ وإذا أردنا أن نعّرف الذكاء الاصطناعي بشكل مبسط فيمكن القول أنه وإلى حدٍ ما يشبه الذكاء البشري ولكن بفارق أنه يُبنى على برمجيات تمنح الأنظمة والتطبيقات خصائص تجعلها تحاكي قدرات الإنسان، كتمييز الصوت البشري والتعلم والتخطيط والقيام بحلول لبعض المشاكل العلمية والفنية وغيرها، ويعتمد الذكاء الاصطناعي على توفر قواعد البيانات وتحليل العلاقات بين محتواها.
إن أفكار الذكاء الاصطناعي بدأت في الظهور منذ خمسينات القرن الماضي تحديداً في عام 1956 عندما قام مجموعة من العلماء منهم: جون مكارثي ومارفن مينسكاي، وألين نويل وهربرت سيمون بالعديد من البحوث وتأسيس مختبرات متخصصة بالذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT) وجامعة كارنيغي ميلون(CMU) وجامعة مينسكاي، ومع استمرار البحوث ظهر ما يسمى بأنظمة المعرفة (KBS) التي استخدمت في المجالات الطبية ومجالات تحليل البيانات وأنظمة الدفاع العسكرية وغيرها من الأنظمة، وفي عام 1987 نجح المهندس الألماني ارنست دكمانس بوضع أنظمة محوسبة في سيارة للقيادة الذاتية على الطريق السريع بمعدل 55 ميلا في الساعة دون سائق، وفي عام 1997 تمكّن كمبيوتر من شركة (IBM) الأميركية بلعب الشطرنج ضد اللاعب الروسي المشهور غاري كسباروف وتغلب عليه.
ومن الجدير بالذكر أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تمتلك القدرة على أداء مهام كانت تُعتَبر فيما مضى حكرًا على الإنسان، مثل امكانية الكشف عن بعض الأمراض، القيادة الذاتية للمركبات، ممارسة الألعاب مثل لعبة الشطرنج، وحتى أصبح بإمكانها تأليف الموسيقى والرسم، وقد بدأ يظهر أثرها وبشكل جليّ في دعم الصناعات وزيادة الإنتاجية، وأكبر دليل على ذلك ما قامت به كبرى الدول للاستثمار في الذكاء الاصطناعي لما كان له من تأثير على ناتجها القومي وفي مقدمة هذه الدول الصين التي تتوقع زيادة في ناتجها القومي بنسبة 26% وبما يقدر بـ 7 تريليون دولار أمريكي في عام 2030، وتأتي أميركا الشمالية في المرتبة الثانية حيث يتوقع زيادة في ناتجها القومي بمقدار 14% بما يعادل 3,7 تريليون دولار.
إن التخطيط الجيد والمدروس لاستخدام أنظمة تقنيات الذكاء الاصطناعي سيساهم في مواجهة وحل أكثر التحديات العالمية إلحاحاً، بل ومن المتوقع أنه سيغير وجهة العالم حرفياً وسيمنح البشرية فرصة للتمتع بحياة أفضل من خلال جعل الأشياء أكثر ذكاءً، فتأثيره سيطال كافة القطاعات الصحية والتعليمية والاقتصادية والزراعية والنقل والاتصالات وغيرها من القطاعات، ناهيك عن دوره في دعم أهداف التنمية المستدامة المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة مثل القضاء على الفقر والجوع والمحافظة على الصحة الجيدة والرفاه والتعليم والمساواة بين الجنسين والمياه النظيفة، حيث ظهر في الأونة الاخيرة العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تساهم في إعادة توزيع المصادر الغذائية وزيادة الإنتاج وتقليل الهدر مما يساهم في تقليل نسبة الفقر والقضاء على المجاعة حول العالم، كما استطاع بعض العلماء توظيفه في دعم الزراعة من خلال ما توفره صور وبيانات الأقمار الصناعية الساتلية للتنبؤ بموعد غلال المحاصيل ومساعدة المزارعين في تنظيم آلية الري للمحاصيل وتقييم مدى رطوبة التربة، ناهيك عن دوره في الارتقاء بمعايير الصحة العامة من خلال تحسين التقييم الطبي للأمراض باستخدام أنظمة الاتصالات الذكية وإمكانية توفير هيكل شامل للبيانات الخاصة بالمرضى وتقديم الاستشارات الصحية عبر الوسائل الالكترونية، وفي مجال التعليم أصبح بالامكان توفير بيئة تعليم تفاعلية، كما ساهم في زيادة العدالة الجندرية من خلال تمكين المرأة، بالاضافة إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي وانترنت الاشياء لتحسين نوعية مياه الشرب وتحسين أنظمة كفاءة الطاقة.
وفي هذا السياق، لا بد من التركيز على أهمية تكاتف كافة الجهود لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي آمنة من خلال العمل جنبا إلى جنب مع الأكاديميين وقادة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وكافة الجهات المعنية لتعزيز الابتكار في هذا المجال، ففي القريب العاجل سيغدو الذكاء الاصطناعي جزأ لا يتجزأ من جميع الأنظمة الإلكترونية التي تستخدم في إدامة الحياة الإنسانية، ولا بد لنا في الأردن من التركيز على الذكاء الاصطناعي واستغلاله والبحث عن الطرق الأفضل لتعظيم استخدامه في تحقيق أهدافنا الوطنية في التنمية المستدامة لنغدو من المجتمعات التي تحفظ كرامة الإنسان بمنحه مستوى حياه أفضل قدر الإمكان.
رئيس مجلس المفوضين/هيئة تنظيم قطاع الاتصالات