كاهن أردني يتحدث عن عمله في الحوار الإسلامي المسيحي في الفاتيكان

كاهن أردني يتحدث عن عمله في الحوار الإسلامي المسيحي في الفاتيكان

 

عمان – عمون

 

قدّم رئيس مكتب الحوار المسيحي مع المسلمين، وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في محاضرة الفاتيكان المونسنيور الدكتور خالد عكشة خبرته على مدار 25 عامًا في مجال الحوار المسيحي الإسلامي.

وشارك في المحاضرة التي نظمها المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بالتعاون مع اللجنة الثقافية للنادي الأرثوذكسي في عمّان، لفيف من الأساقفة والكهنة من مختلف الكنائس، ووزراء ونواب وأعيان، وعدد من عملاء الدين الاسلامي، وحشد من المهتمين.

ورحّب مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب رفعت بدر بالحضور، وموجهًا تحيته بشكل خاص إلى الأب عكشة وهو يحمل قيمة الحوار العالمية في جميع أقطار الأرض، منتميًا لوطنه الحبيب، ولعروبته ومسيحيته، وعمله في حاضرة الفاتيكان. ولفت إلى تزامن هذه الأمسية مع مرور تسعة أعوام على زيارة البابا بندكتس السادس عشر إلى الأردن عام 2009، سيما مع صورته الرائعة وهو يزور مسجد الحسين بن طلال في عمّان علامة على التقدير المتبادل بين المسلمين والمسيحيين. وقال إنه ليس بجديد على الأردن أن يصدر مبادرات راقية أصبحت عالمية التبني، في مجال التوافق والتلاقي الإسلامي المسيحي، إلا أنّ الأمر قد تعدّى تصدير رسائل إلى أن يكون لدينا أشخاص بارعون في مجال الحوار بين الأديان، مثل الأب خالد عكشة.

وألقى رئيس اللجنة الثقافية في النادي الأرثوذكسي الدكتور سمير قطامي كلمة عرّف خلالها بالأب عكشة. وقال: إنه من أبناء الكرك الأصلاء مولودًا ودراسة أولية، ومن غراس المعهد الإكليريكي في بيت جالا. سيم كاهنًا سنة 1978. حصل على شهادة الدكتوراة في اللاهوت الكتابي من جامعة اللاتران، وشهادة الماجستير من المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية، ليعمل من بعدها محاضرًا للشريعة الإسلامية. طُلب منه الانضمام إلى مجلس الحوار في الفاتيكان قبل ربع قرن، ليشغل اليوم رئيسًا لمكتب الحوار مع المسلمين، وأمين سر للجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، كما يعمل على تنسيق الاجتماعات والندوات مع شركائه في اللجان الإسلامية بمختلف أرجاء العالم.

كما تحدّثت الآنسة هبة إميل عكشة حول عمّها المونسنيور عكشة، لا عن خمسة وعشرين عامًا من خدمته في الحوار المسيحي الإسلامي، بل عن خمسة وعشرين عامًا من وجود الأب خالد في حياتها. وقالت: نشأ في بيت العائلة الكبير في مدينة الكرك، وفيه أقيم أول قداس لرعية اللاتين قبل بناء الكنيسة، وهو ذات البيت الذي التقى فيه مسلمو الكرك ومسيحيوها في العديد من المناسبات، كونه كان كبيرًا، ولا أقصد هنا المساحة الفيزيائية وحسب، بل وأيضًا مساحة المحبة والأخوة وتقبّل الآخر.

وأضافت: هذا هو المجتمع الذي نشأ فيه عمو خالد. مجتمع لم يسمع يومًا بكلمة حوار أو بكلمة تعايش أو مصطلح تقبّل الآخر، لأنّ المحبة بين الناس كانت أقوى من كل الكلمات، لذلك لا عجب إذا كان 'عمو خالد' رسول حوار من الطراز الأول. وختمت قائلة: أقف لأقول لك، باسمي، واسم أهلي وعشيرتي، أننا فخورون بك، فخورون بأنك جزء من عائلتنا، وأنك سفير لمسيحيي ومسلمي الشرق. وأنك سفير لأردن المحبة والتآخي والوحدة.

أمّا الأب خالد، فأشاد أولاً بالمودة الأردنية بين جميع السكان والمواطنين، وهي طيبة فطرية جعلت من المواطن الأردني مشهورًا ومشهودًا له بنبل أخلاقه وانفتاحه، ونمت ونضجت لتصبح ريادية في مجال التلاقي والحوار الإسلامي والمسيحي. وتحدث عن أهمية الحوار اليوم، سيما بعد صدور العديد من الأصوات النشاز في العالم، والتي حاولت أن تفرّق بين الأخ وأخيه، وأن تزج بالدين في متاهات وتجاذبات السياسة عبر تبرير القتل والإرهاب. وقال إن الحوار ليس جدالاً وليس مجرد تجاور جغرافي، إنما هو تلاقٍ وتفاعل وتعاون مشترك لبناء الإنسانية. وتكلم عن أربعة أشكال من الحوار: حوار الحياة، وحوار العمل المشترك، وحوار النقاش اللاهوتي وحوار الخبرة الروحية، مبينًا أمثلة واقعية على كل نوع، ومشددًا على أهمية حوار الحياة الذي يدعو المسلمين والمسيحيين في العالم، إلى تبادل وجهات النظر حول شؤون الحياة الإنسانية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها، من أجل النظر بكيفية خدمة الإنسانية بشكل أفضل.

وبعد أن عدّد المسؤول الفاتيكاني بتأريخ متسلسل تطوّر العلاقات والمبادرات الحوارية، وبالأخص في التعاون بين المجلس البابوي للحوار ومؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي برئاسة سمو الامير غازي بن محمد، والمعهد الملكي للدراسات الدينية برئاسة سمو الأمير الحسن بن طلال، توقف عند أهمية العمل على تربية الأجيال الصاعدة على ثقافة السلام، والتعاون المسكوني بين الكنائس، عبر التعاون القائم بين الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي، ليشكل صوتًا واحدًا في الحوار. وأسهب في الحديث عن أهمية المناهج المدرسية في تربية الأجيال على الانفتاح وتقبل الآخر، في عقلية ثقافة اللقاء والمودة والتعاون بين الطلبة أنفسهم، ضمن مناهج منفتحة، وكذلك ضمن تنشئة معلمين قادرين على تعليم الأطفال فن العيش المشترك وقيم التعاون الدائم مع الجميع بدون استثناء أو تمييز. ولم يفت المحاضر التركيز على دور الإعلام الحديث في تعزيز الانفتاح وقيم التقبل والتشاركية في بناء المجتمع الواحد، مشيدًا بموقع أبونا الإلكتروني الذي شعاره إعلام من أجل الإنسان والتابع للمركز الكاثوليكي في الأردن.

وفي ختام المحاضرة، قدّم مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب بدر هدية للأب عكشة تقديرًا لجهوده على مدار ربع قرن من الحوار وثقافة اللقاء، وهي صورة فسيفسائية طبق الأصل لهدية البابا بندكتس السادس عشر قبل تسع سنوات لمسجد الملك الحسين بن طلال في أيار 2009، وتمثل حمامتي سلام تشربان من نبع واحد، وفيما الواحدة تشرب، تحرسها الثانية بروح أخوية عالية.