"عين على القدس": أمانة القدس شرعية مستمرة ووظيفة معطلة...اضافة اولى واخيرة
أوضح مدير مركز الديمقراطية وتنمية المجتمع في القدس، الدكتور وليد سالم، ان بلدية القدس تأسست في عام 1868، وقامت بمشاريع مهمة أثناء العهد العثماني، واستمرت هذه البلدية فاعلة في زمن الإنتداب البريطاني، مشيرا الى أنه تشكلت أمانة القدس بقرار من الحكومة الأردنية على إثر وحدة الضفتين، مما جعل وضع القدس مماثلا لوضع عمان في هذا الإطار.
وأضاف في حديث لبرنامج "عين على القدس" الذي بثه التلفزيون الأردني مساء أمس الإثنين، ان أمانة القدس قامت بكل مهام البلدية على مستوى القدس حتى عام 1967، حيث قامت السلطات الاسرائيلية مباشرة بعد احتلالها للمدينة بإصدار قرار بحل أمانة القدس، وبالتالي لم يعد هناك مجلس بلدي يمثل الفلسطينيين المقدسيين بأي حال من الأحوال.
وأشار سالم الى أن هذا القرار يأتي في سياق سياسة الضم الإسرائيلية، حيث قامت اسرائيل بضم القدس اليها منذ عام 1967، وأكدت عملية الضم بقرار من الكنيست عام 1980، لكن بقي المقدسيون متمسكون بهويتهم الوطنية، وانتمائهم القومي العربي، وترى اسرائيل الآن أن العثرة المتبقية أمامها هو معالجة هذا الانتماء القومي العربي والفلسطيني المقدسي، وتحاول اسرائيل لتحقيق هذا الأمر اقناع المقدسيين بضرورة المشاركة بالإنتخابات البلدية الاسرائيلية، وهو أمر لم يتسنى لها على الإطلاق، حيث لم تزد نسبة المشاركة في الإنتخابات البلدية الإسرائيلية طوال سنوات الإحتلال كاملة عن 3 بالمائة ، مما شكل فشلا للسياسة الإسرائيلية التي كانت تهدف من ذلك، الإظهار للعالم بأن المقدسيين تكيفوا مع واقع الإحتلال، وبالتالي قبلوا العمل في إطار التبعية للبلدية الإسرائيلية، بما يلغي مجلسهم البلدي المنتخب السابق للإحتلال إلغاء كاملا، وفشلت أيضا محاولة وضع العالم أمام حقيقة جديدة، وهي ان الفلسطينيين قد قبلوا باحتلال القدس وضمها، ويتصرفون على هذا الأساس.
ورأى سالم ان الإحتلال يراهن على مجموعة من المبررات التي تطرح في إطار محاولة إقناع المقدسيين بالمشاركة في انتخابات مجلس البلدية الإسرائيلي، أول هذه المبررات، ان كل محاولات تعزيز الصمود الفلسطيني منذ عام 1967، حتى اليوم قد فشلت حسب الرأي الإسرائيلي، وبالتالي لا بد من وجود خيار آخر أمام الفلسطينيين بالمشاركة بالإنتخابات البلدية، فيما المبرر الثاني الذي يتم طرحه هو المبرر القائل بأن هنالك حاجة لتعزيز الديمقراطية في التعامل مع الشباب المقدسي، ويزعمون ان هنالك نفس جديد عند الشباب المقدسي يتوجه نحو المشاركة في الإنتخابات البلدية، ولكن القيادات العربية والفلسطينية تمنعهم من التعبير عن رأيهم بحرية .
وأكد سالم ان هذه الأقوال مردوده على من يدعونها، لأن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأي توجه ديمقراطي يستدعي بالضرورة أن ترتبط الإنتخابات في القدس الشرقية، بالإنتخابات الفلسطينية في الضفة الغربية، وليس عزلها عنها وخلق سياق مختلف لانخراط المقدسيين فيه، مشيرا الى أن هنالك قرار غير شرعي يفتقر لأي شرعية قانونية وأي شرعية دولية، يتمثل بقيام الحكومة الإسرائيلية بحل بلدية القدس عام 1967، وبالتالي الأجدى من ناحية تطبيق الديمقراطية أن يعاد للفلسطينيين حقهم باستعادة مجلسهم الذي تم حله عام 1967، لكي يكون هو المعبر عنهم والممثل لهم.
ونفى سالم أن يكون هنالك انتشار لروح اليأس بين المقدسيين، رغم كل الضربات التي توجه إليهم، ورغم كل الضغوطات التي تمارس عليهم، مستذكرا انتفاضة الأقصى الأخيرة ومعركة البوابات، التي أثبتت أن المقدسيين بخير، حيث هبت كافة مكونات المجتمع المقدسي هبة واحدة بجميع أعمارهم للدفاع عن الأقصى، مدعومين بفلسطيني عام 1948، وعلى مدى أسبوعين كاملين استطاعوا في النهاية انتزاع إزالة الأبواب الحديدية من على بوابات الأقصى، وهذا مثال سبقه أمثلة أخرى .
وقال سالم ان ما جرى منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، هو التأكيد على القرار الوطني الفلسطيني المستمد من الدعم العربي، وهو القرار المتمثل برفض المشاركة في الإنتخابات البلدية الإسرائيلية، والدعوة الدائمة لاستعادة المجلس البلدي الذي تم حله عام 1967، مشيرا الى أن المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الأخير في رام الله بداية العام الحالي، قد أقر في البند الثالث، إعادة إحياء أمانة القدس وفق أفضل صيغة ديمقراطية وتمثيلية ممكنة، بقرارات متكررة تؤكد حق المقدسيين بوجود مجلس بلدي يمثلهم، ويقوم بكل المهمات الخدماتية والتنموية، التي تفتقد لها القدس الشرقية، ومجتمعاتها المحلية في الأحياء العربية التي هي بحاجة ملحة لتنمية المجتمع المحلي .
وحذر سالم من أن من يقول بالمشاركة في الإنتخابات لتحسين أوضاع المقدسيين، يقع في فخ سياسي نتائجه ستكون وخيمة على المقدسيين، بمعنى جرهم للإندماج في الحياة ضمن قيود السقف الإسرائيلي، وبالتالي تخفيض سقف المطالبة بالحقوق الوطنية، وحق تقرير المصير، واستبدال المشاركة بالإنتخابات البلدية، والبحث عن تحسين الأوضاع المعيشية اليومية، بدلا من المطالبة بإنهاء الإحتلال، الذي هو الموضوع الرئيسي الذي يجب التركيز عليه .
وقال سالم، ان أمين القدس السابق الحاج زكي الغول رغم تقدمه في السن، لا زال يمثل القدس في اتحادات العواصم العربية والعالمية، مشيرا الى أنه من خلال جهوده فيها، استطاع أن يقوم بعمليات توأمة ما بين مدينة القدس و 59 مدينة أخرى في مختلف أرجاء العالم، مما ساهم بشكل رمزي في دعم مدينة القدس، والمجتمعات المحلية في إحيائها، من خلال التوأمة مع هذه المدن المناصرة للحق العربي الفلسطيني .
وتمنى سالم إعادة تشكيل الأمانة ليس كأمانة رمزية، بل أن يكون لها دور عربي اسلامي عالمي محوري، امتدادا للجهد الذي قام به الحاج زكي الغول، وأن يكون لها أيضا دور على الأرض من خلال الفعالية في المجتمعات المحلية المقدسية بجميع احتياجاتها التنموية، وتلبية الممكن منها من خلال العلاقات بمجالس بلديات عالمية يمكن أن تتوفر للأمانة .
وحول الخيارات المتاحة للمقدسيين في ضوء الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال، أكد سالم على أن هنالك حاجة لعملية إنهاض شاملة للوضع المقدسي، لافتا الى أن موضوع أمانة القدس وحده لا يجلب حلولا للمدينة المقدسة، اذا لم تكن الأمانة جزء من عملية استنهاض مقدسية شاملة من كافة الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية، محمولة على رافعة الكفاح السلمي ضد الإحتلال، كحالة تتخذ أشكالا يومية مختلفة ترافق حل طرح عودة الأمانة .
وأشار أمين القدس الشريف الأسبق، الحاج زكي الغول، الى أنه عندما حافظ الجيش العربي الأردني، على القدس عام 1948، بدأ بمحاولة تنظيم المدينة وتسيير شؤونها بشكل أولي، الى أن جاء عام 1959، حيث كان هناك اجتماع للحكومة الأردنية، حضره المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه، ورفعت فيه مكانة بلدية القدس الى أمانة .
وأضاف الحاج زكي في حديث لتقرير "القدس في عيون الأردنيين"، كانت القدس تحظى بأهمية بالغة في الفترة الأردنية، وأصبحت مدينة سياحية عالمية تمتاز بجمال روحاني، وكانت في كامل بهائها ورونقها، مشيرا الى أنه كان من شروط البناء في القدس، أن لا ترتفع البنايات عن طابقين، بحيث كانت المدينة مكشوفة، أينما مررت بها تستطيع أن ترى أغلب مناطقها .
بدوره أشار عضو أمانة القدس الأسبق، الدكتور صبحي غوشة، الى القرارات الأردنية حول القدس في بدايات الستينيات، التي وسعت حدود المدينة وضمت أحياء جديدة إليها، مثل ضم حي سلوان ورأس العامود وبيت حنينا وشعفاط الى أمانة القدس، التي ازدهرت فيها آنذاك الحركة السياحية ، حيث وصل عدد الفنادق في المدينة الى حوالي 25 فندقا، بعد كان عددها عام 1948، ثلاثة فنادق فقط .
من جانبه قال العضو الناشط في دعم قضايا القدس مازن النشاشيبي، ان بلدية القدس كانت تقدم خدمات لسكان المدينة، مشيرا الى مدينة القدس كانت تتميز بالنظافة المطلقة، وكانت في صدارة أنظف مدن العالم القديمة، الى أن اختلف الوضع بعد الإحتلال، حيث أهملت بلدية الإحتلال المدينة بشطرها الشرقي .
وأشار النشاشيبي الى أن القدس ممثلة في منظمة المدن العربية ومنظمة المدن الإسلامية ومنظمة المدن الآسيوية، وهي عضو بالمكتب التنفيذي وعضو بالهيئة العامة، ويقوم هو برفقة نشطاء آخرين بالسفر باستمرار الى العواصم العالمية لشرح وضعية المدينة، لما لذلك من فوائد تعود على المدينة المقدسة .
وفي المحور المتعلق بمظاهر العنصرية والتحريض ضد رواد مواقع التواصل الإجتماعي الفلسطينيين، لمنعهم من التعبير عن آرائهم، أشار المتخصص بشؤون الأسرى المحررين، المحامي محمد محمود، الى الحملة الشرسة التي بدأت منذ ثلاثة أعوام، فيما يتعلق بموضوع التحريض عبر وسائل التواصل الإجتماعي، والتي أدت الى المئات من حالات الإعتقال ضد المقدسيين، سواء كانوا بالغين او قاصرين او حتى سيدات، الذين تم اعتقالهم فقط لأنهم قاموا بنقل خبر اعتقال قاصر، او اقتحام قوات الاحتلال لمكان معين في القدس .
وأوضح محمود أن الصعوبة في حالات الإعتقال هذه، هو أنه لا يتم الإفراج عنها، وأغلب الحالات يتم اعتقالهم حتى انهاء الإجراءات التي يتم فيها تقديم لوائح اتهام بحق المعتقلين، وتصدر أحكام بحقهم تتراوح من خمسة شهور الى 17 شهرا، مشيرا الى أن مدة الحكم تتم حسب عدد المشاركات او "اللايكات" التي تم وضعها على منشورات او "بوستات" معينة، والإتهامات التي توجهها سلطات الاحتلال لهؤلاء المقدسيين، هو الإنتماء لتنظيم ارهابي، او مناصرة تنظيم ارهابي، او التحريض على العنف، وكل "لايك" وكل مشاركة تعتبر مخالفة على حدة .
وأكد محمود على أن التعبير عن الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي حرية أساسية من أبسط الحقوق في التعبير عن الرأي في مختلف دول العالم، لكن عندما يتعلق الأمر بالمقدسيين والفلسطينيين بشكل عام، يختلف الحال، لأن سلطات الاحتلال تزعم، أن العمليات الفردية التي بدأت في القدس منذ ثلاثة أعوام، ولم تستطع المؤسسة الأمنية الاسرائيلية إيقافها حتى اليوم، نتيجة للظلم الذي يقع على أبناء الشعب الفلسطيني، هم يقولون بأن التحريض بدأ عبر شبكة التواصل الاجتماعي الذي هو السبب الرئيسي لهذه العمليات الفردية التي تحدث في القدس وحتى في الضفة .
وتابع، بالمقابل لم تقدم أي لائحة اتهام بحق اليهود في القدس، بالرغم من تقديم مئات المنشورات اليهودية التي تحرض على قتل المقدسيين والعرب، والتي ترفض المحكمة الأخذ بها ، بحجة أن الأمر يختلف هنا اختلافا جذريا .
وأشار محمود الى أن المقدسيين أثبتوا أن هذا الأمر لن يثنيهم عن التعبير عن آرائهم، ويؤكدون على رفض سياسة تكميم الأفواة، والعقاب الجماعي الذي يصدر بحقهم، لافتا الى أنه يجب على كل مقدسي أن ينتبه لموضوع الفيس بوك، لأنه في العديد من الحالات تم اختراق الحسابات من قبل المخابرت الإسرائيلية، وتم لصق منشورات لشبان لم يقوموا بنشرها أبدا، ونبه الشباب المقدسي الى توخي الحذر، وعدم نشر أمور من الممكن أن يستغلها الإحتلال في اعتقال الشباب المقدسي .
بدورها قالت المحامية في حقوق الإنسان نسرين عليان، أن شرطة الإحتلال وخصوصا في منطقة القدس، أقامت وحدة خاصة لمتابعة صفحات وسائل التواصل الإجتماعي بجميع أشكالها، وعليه بدأت أعداد الإعتقالات تتزايد بزعم التحريض على صفحات هذه المنصات، بانتهاك فاضح لأبسط حقوق الإنسان المقدسي، الذي فقد خصوصياته ويعيش أحلك ظروفه، فهو منزله مراقب وفي الشارع مراقب وفي عمله مراقب، وحتى التعبير عن رأيه في مواقع التواصل الإجتماعي، أصبح محظورا عليه، في حين يقوم يهود متطرفون وأعضاء كنيست، بالتحريض على الفلسطينيين والعرب بشكل يومي، بالدعوة الى قتلهم في وسائلهم الإعلامية ومواقع تواصلهم الإجتماعي، ولا أحد يحاسبهم .