مفكرون عرب يعرضون أبرز ملامح تجديد الرسالة الحضارية لمشروع النهضة العربية
عرض باحثون ومفكرون عرب، مساء أمس، أبرز ملامح تجديد الرسالة الحضارية لمشروع النهضة العربية، عقب مداولات ونقاشات تفاعلية ساخنة، بحثت في أسباب النكوص وإمكانيات النهوض.
وشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر "النهضة العربية: تجديد الرسالة الحضارية" الذي نظمته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية واستمر على مدى اليومين الماضيين،المفكر والأكاديمي العربي حسن حنفي من مصر، والفيلسوف العربي والأستاذ الجامعي أبو يعرب المرزوقي من تونس، والكاتب والأكاديمي محمد شحرور من سوريا، وأدار الجلسة وقدّم لها الدكتور نارت قاخون من الأردن.
وقال الدكتور أبو يعرب المرزوقي أن النهضة العربية الأولى ( بداياتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) حققت ما كان ينبغي لها أن تحققه؛ فأبقت على حياة اللغة العربية، وأعادت للعرب وعيهم بموقعهم في التاريخ والجغرافيا، وكانت ردا على الرسالة التي وجهتها الحضارة الغربية لهم. أما اليوم، فإن تجديد الرسالة الحضارية يتطلب من العرب أن يكونوا فاعلين في المشهد الإنساني ويستردوا طموحهم ويصبحوا مرسلي رسالة لأنفسهم وللبشرية أجمع؛ على اعتبار أن النشأة الأولى للثقافة العربية الإسلامية كانت دعوة كونية تخاطب البشرية كلها ولا تخاطب العرب فقط.
وأوضح المرزوقي، أن الإنسانية في اللحظة الراهنة تعاني جميعها، بمن فيهم المعتدون على بقية البشرية، يعانون من نفس الأزمات الكونية، حيث أصبح الإنسان اليوم، محل سؤال في منزلته، كرامته، قيمته ودوره، مضيفا أن العولمة أفقدت العالم منظومته القيمية الأخلاقية وجعلت البشرية تتحول إلى سوق، لا تدري من يحكمها، وما هي حدود سيادتها، وما هي حدود منزلة الفرد فيها. وهو المشكل الكوني الذي يعيشه العالم العربي الآن "فالعين المجردة منه،عين حاضرة نرى فيها كل أنواء البشرية تجمعت عندنا لتصبح اقتتالا أهليا وصداما حضاريا داخليا؛ ليس لأن ذلك من عاهات وجودنا، ولكن لأننا صرنا قلب العالم في استعادة القيم الكونية الإنسانية".
وتابع، إن أراد العرب توجيه رسالة للعالم اليوم، فينبغي أن تكون رسالة فاعلة وليست منفعلة. تتوجه للإنسانية جمعاء، وتساهم في إيقاظ الوعي الإنساني العالمي عن طريق خطاب كوني يشخّص الدّاء (الأنواء البشرية)، بحكم فهمهم للمعاناة البشرية ومعايشتهم لها بلحمهم ودمهم من خلال الحروب والصراعات الداخلية التي شهدتها المنطقة ولا زالت، وبحكم امتلاكهم لإرث كوني؛ هو مجمع الرسالات السماوية والتيارات الفلسفية، فالفلسفة والدين كلاهما إبنا هذه المنطقة، ملتقى القارات القديمة الثلاث.
أما الدكتور محمد شحرور، فيرى أن الحرية وحرية الاختيار قيمة غير مقدسة في العقل العربي، وهي بناء أساسي في رسالة التجديد الحضارية، مضيفا أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يعترف بالتعددية، وبالتالي فإن المجتمع التعددي هو المجتمع الذي ستٌكتب له الحياة، مؤكدا أن الحرية والتعددية هما من مفاتيح النهضة والوجود الإنساني.
في حين، دعا الدكتور حسن حنفي لبرنامج عملي عربي تقوم به تنظيمات عربية مدنية، تعمل من خلاله على إعادة بناء الأوطان من الداخل "التي كنّا ندافع عنها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ونجحنا في ذلك"، مؤكدا أن النهضة لن تتم إلاّ بإعادة الأمل القومي العربي، من خلال التوحيد بين الفكر والوجدان واللسان والفعل.
وفي نهاية المؤتمر، زاد رئيس مجلس إدارة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية الدكتور زيد عيادات على الملامح التي أجملها المفكرون في الجلسة الختامية، بالقول: إن الأخلاق، ومركزية الحرية التي غابت عن الخطاب، كقيمة لا يعلوها قيمة، هي البداية من أجل نهضة جديدة، مضيفا أن بناء المؤسسات التي تدافع عن الإنجازات، هو مشروع بناء الدول. وأكد عيادات على أهمية إعلاء قيمة الكرامة الإنسانية والعدل والمساواة، كما أن النهضة تتطلب القبول بالأخر، وتحرير الدين من الانغلاق والجمود، والنهوض بالمرأة وإطلاق طاقات الشباب، وتتطلب أيضا عقلانية حداثية يكون العلم أساسها.
وأعلن عيادات عن تأسيس مركز النهضة الفكري كجزء من منظمة النهضة العربية، ليكون مركز إشعاع فكري للعالم العربي، مشيرا إلى أن المركز سيفتح أبوابه لكل الباحثين العرب وخاصة الشباب منهم، ولكل فكرة وكتاب ومنشور يسهم في إعادة بناء النهضة وتحرير الطاقات.
وعلى هامش المؤتمر، التقت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) بالأديب ووزير الثقافة الأسبق جريس سماوي المشارك في المؤتمر، وسألته عن ما يعنيه المكان، عمان، لإلتقاء هذا الحشد الكبير من المفكرين والباحثين والأكاديميين والطلبة لبحث سؤال النهضة في مثل هذا الظرف الذي يمر به العالم العربي، فأجاب: إن عمان مدينة العرب وهي خلاصة واختزال المدينة العربية العروبية الحديثة. إنها حفيدة الثورة العربية الكبرى ووريثة مشروعها الحضاري والنهضوي، وهي بالتالي أنموذج للحلم القادم، لتكون مدينة ممثلة للحداثة في إطار العراقة التاريخية. هي التي انبثقت من بين أروقتها رسالة عمان التاريخية، التي تتسم بالدعوة والتسامح والمحبة والعدل.