نووي طهران .. جائزة الورثة

نووي طهران .. جائزة الورثة

 

وليد حسني

 

لم يكن المشروع النووي الإيراني وليد رغبات الثورة الإيرانية لغايات تحقيق توازن القوى او توازن الرعب في المنطقة والإقليم فقط، ولم يكن المشروع الذي قطعت طهران فيه شوطا واسعا جدا بعيدا تماما عن طموحات الإمبراطور محمد رضا بهلوي الذي لم تنحرف عينه يوما عن استعادة امبراطورية الأجداد.

حين نجحت الثورة الإيرانية الخمينية بالقضاء على عهد الطاووس بهلوي سنة 1979، لم ينس الورثة الجدد في طهران وقم طموحات السلف "غير الصالح "، فطهران كانت ولم تزل تدرك أن دورها التوسعي في المنطقة والإقليم لا بد له من حواضن تحمله وتحميه، وكان لا بد من العودة الى المربع الأول الذي اختطه الشاه المخلوع والبناء على ما أسس له من المشروع النووي الإيراني في سبعينيات القرن المنصرم.

حرب الخليج الأولى مع العراق أخرت الكثير من طموحات ومشاريع ايران في المنطقة، وللحقيقة فإن العراق بقيادة صدام حسين نجح تماما في تأخير كل مشاريع ايران التوسعية والتقنية لعشر سنوات على الأقل، قبل أن تبدأ ايران مرحلة إعادة انبعاثها مجددا بعد أن عالجت الى حد ما كل رواسب الشاه ومقامع الثورة ، وخسائر حربها مع بغداد، ومواجهتها للمجتمع الدولي.

نجحت طهران تماما في الحصول على دور الللاعب المفضل سرا لدى واشنطن، حين أرادت أمريكا وضع النهايات للنظام العراقي في بغداد، وفي افغانستان، في تلك الحرب العدوانية على كابول وبغداد لم تجد واشنطن أفضل من طهران لتقوم بدور الميسر للعمل الإحتلالي الأمريكي، ولم يكن في كل الحلفاء الأمريكيين في المنطقة أفضل من الحليف العدو ايران ليقوم بتسكين الإحتلال الأمريكي في العراق، من خلال توظيف قوة التأثير الطائفي على شيعة العراق للقبول بامريكا كبديل أكثر من جيد لنظام البعث وصدام حسين.

لم تكن الصفقة الأمريكية الإيرانية في حينه بعيدة تماما عن طموحات ايران في امتلاك سلاحها النووي الرادع، ولم تكن تطلب أكثر من تلك الجائزة الاستراتيجية التي ستجعل منها لاعبا رئيسيا ليس في المنطقة هذه المرة وإنما على مستوى الإقليم الأوسع"الشرق الأوسط الواسع".

حصلت ايران على جوائز جانبية مهمة على نحو تمكين التحالف الشيعي الأمريكي في العراق على حساب السنة يكون مدخلا ناعما لضمان الهيمنة الإيرانية على العراق، وقد تم ذلك بنجاح، وهذا ما منح ايران الإطمئنان إلى أن قاعدة انطلاقها نحو المنطقة أصبحت أكثر انفتاحا وأمانا.

دخلت طهران في تسويات متعددة مع المجتمع الدولي، ووصل الأمر بان يجلس وزير خارجيتها منفردا في مواجهة وزراء خارجية خمس دول كبرى للتفاوض على المشروع النووي الذي بدأ بأزمة ما بات يعرف بــ "أزمة التخصيب "، لتصل النتائج الى تعليق عمليات التخصيب مقابل جوائز أخرى مهمة على نحو رفع الحظر عن طهران، والتزام الصمت عن اصابعها التي كانت ترغب بمدها قليلا الى دول الحزام الشيعي والنفطي في الخليج.

اليوم وامريكا تلوح بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، يظهر الرئيس الإيراني مهددا بالعودة مجددا لعمليات التخصيب، والرئيس الإيراني يدرك جيدا أن بلده ستمضي قدما في إعادة التخصيب، وسيعود المجتمع الدولي مجددا ليفتح قنوات حوار مع طهران ولكن ستكون هذه المرة بشروط ايران وليس بشروط المفاوضين.

ما يجري في الملف النووي الإيراني أن صفقة التفاهم الأمريكية الايرانية التي سهلت احتلال وتسكين المحتلين في العراق لم تستمر على النحو الذي تريده واشنطن، بالقدر الذي تتوافق مع طموحات وخطط طهران، وقد بدت الجبهة السورية هي التي فتحت اوراق الخلاف بين الحليفين اللذين يعملان بالقطعة، وبحسب مصالح كل منهما.

في قابلات الأيام لا أظن ان واشنطن ستذهب الى مدى أبعد مما هي عليه صورة الخلاف مع طهران الآن، ولا أظن ان طهران بحاجة إلى أكثر من كل هذا الجدل الذي يحيط بمحركات تخصيبها لليورانيوم، في الوقت الذي أمنت ايرن فيه تماما من اي اعتداء قد يشنه عليها وعلى اراضيها أي مجنون أو أحمق.

وبالمقابل فان ايران نفسها لن تطلق رصاصة واحدة على اسرائيل ردا على قصف مواقع مقاتليها في قاعدة تي فور الجوية في سوريا، ولا أظن أن إسرائيل أيضا ستكرر عدوانها على الأهداف الإيرانية في سوريا، ليبقى الحديث عن مواجهة عسكرية محتملة بين ايران واسرائيل مجرد أحلام يقظة لدى البعض، لأن مصالح ايران وخططها أبعد بكثير من مجرد رد أحمق لن يخدم مستقبلها الذي تصنعه على شواطئنا وحدودنا بكل هدوء.//