" حراء.." المحظور
" حراء.." المحظور
وليد حسني
حظرت السعودية على المعتمرين والحجاج وكل زوار الأماكن المقدسة زيارة غار حراء الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يتحنث ويتعبد فيه قبل تلقيه الوحي على عادة جرى عليه السلام عليها، وفيه تلقى أول آيات القران الكريم "اقرأ باسم ربك الذي خلق..".
المبرر الذي ساقه وكيل وزارة الحج السعودية لحظر زيارة غار حراء جاء في غير مكانه ولسببين رئيسيين الأول لوجود مخالفات شرعية، والثاني خوفا على سلامة الصاعدين الى الغار الذي يرتفع عن الارض نحو 640 مترا.
ولا أدري لماذا الحظر وقد درج المسلمون على مدى اكثر من 1400 سنة مضت على زيارة الغار الذي آذن بانبلاج الدعوة الإسلامية حين تراءى الملاك جبرائيل للنبي عليه السلام داعيا له للقراءة والنبي يجيبه" وما أقرأ..؟؟" و " ما انا بقارىء..؟؟.. الخ.
أظن ان القرار فيه الكثير من الإجحاف، والتعدي على حق كل مسلم بزيارة الغار، على الأقل لإستحضار حجم المشقة التي كان النبي عليه السلام يتكبدها وهو يغادر بيت زوجه خديجة يتحنث معتكفا في حراء أسوة بما كان يفعله بعض اهالي مكة من المتحنثين رافضي تأليه الأصنام وعبادتها، وأسوة بالعديد من رهبان المسيحية المقيمين في مكة وفي مقدمتهم ورقة بن نوفل عم السيدة خديجة رضي الله عنها، والذي تولى البشارة بالنبي حين راجعته خديجه فيما رآه النبي في حراء وما تلاه من وحي.
غار حراء جزء لا يتجزأ من ذاكرة الإسلام والمسلمين، وبالرغم من انه لا يملك قدسية دينية مشفوعة بنص نبوي ، إلا أنه المكان الذي ولدت فيه رسالة الإسلام، ولا يزال يحمل حتى الآن بعضا من أثر الرسول وذكرياته، ولا اظن ان احدا زار "حراء" دون ان يشعر بأن ريح النبي تلفح وجهه وتباركه.
كل ما أعلمه ان النبي عليه الصلاة والسلام ومنذ ان تنزل عليه الملاك جبرائيل بفواتح سورة "اقرأ" لم يعد للغار مرة اخرى، ولا اظن أنه ذكره كثيرا عليه السلام، إلا أنه ظل جزءا عزيزا على كل مسلم.
على السعودية وهي ذاهبة للانفتاح ولسنة( 2030 ) أن تدرك تماما ان السياحة الدينية والتاريخية ستكفل لها عوائد مالية أضعاف ما يدره البترول على خزينتها، فهذه الجزيرة مترامية الأطراف تقبع على كنوز تاريخية وأثارية لو قدر لها الإهتمام والترويج فإنها بلا شك ستجعل من السعودية دولة سياحية بامتياز.
ان قرار حظر زيارة "غار حراء" لا يمكن تفسيره إلا في اطار استمرار قبضة المحافظين والمتشددين الدينيين الذين يرون في الآثار الإسلامية مجرد اماكن غابرة لا تجوز زيارتها او التواجد فيها باعتبارها تثير الشرك والتبرك وهو ما لا تقره الوهابية الدينية المتشددة، التي طالت قبضتها الكثير من الأماكن التاريخية التي تعود لفجر الإسلام بل إن بعضها يختص بالنبي عليه الصلاة والسلام وقامت بطمس معالمه، حتى لا تتحول تلك الأماكن الى مزارات وهوى أفئدة للمسلمين، والشواهد هنا اكثر من أن تحصى.
على السعودية وهي راعية الأماكن الإسلامية المقدسة"مكة والمدينة" أن تعمل على تسهيل الوصول الى غار حراء وما تبقى من آثار باقية من حقبة النبي عليه السلام، وان تقيم المشاريع الخدماتية والخدمية لخدمة تلك الأماكن بدلا من هدمها أو حظر الوصول اليها، لأن الحظر سيثير الكثير من التساؤلات عن الأسباب والدواعي والنتائج..//