المرض بالقرابة لا يُشفى بالديمقراطية
المرض بالقرابة لا يُشفى بالديمقراطية
وليد حسني
أصبحت البوصلة الحكومية باتجاه تعديل قانون الانتخاب امرا واقعا، ومطلبا ضاغطا، ووفقا للعادة التي جرينا عليها فان مواسمنا الإنتخابية يتم حشرها في قوانين معدلة، وكأننا لم نشبع أو نرتوي من ورشة التجريب الإنتخابي التي بدأناها منذ سنة 1989 ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
في كل انتخابات تبرز معطيات جديدة تدفع المشرع لتعديل قانون الانتخاب، ونخضع وبالضرورة للهوا التشريعي، فمرة نرفع عدد المقاعد من 80 الى 110، ثم الى 120 ثم الى 150، ثم نعود القهقرى ونرجع للرقم 130، واليوم نستغفر عن كل هذه الجلبة التجريبية ونعد العدة للعودة من حيث بدأنا، فقد بدا الرقم 80 رقما جيدا يثير التفاؤل، ويستدر حسن النوايا، وقد نعود لمشروع رئيس الوزراء الأسبق زيد الرفاعي وننحاز إلى الرقم 70 .
المشكلة في حقيقتها ليست في التلاعب بعدد المقاعد زيادة ونقصانا، وليست في النتائج التي تشكل بمجملها مخرجات طبيعية لنوازع بعض فئات المجتمع واتجاهاته الإنتخابية، وليست في النظام الإنتخابي الذي يشكل العمود الفقري لقانون الإنتخاب وإنما في بعض الفئات، في سلوكها الإنتخابي ، وتفكيرها، ومسطرة اختياراتها المشوهة، وهو ما ينعكس سلبا وبالضرورة على النواتج النهائية لصناديق الإقتراع.
منذ سنوات عديدة مضت كنت أقول ولم أزل أرددها ليست المشكلة في قانون الإنتخاب، وليست في عائلة النظم الإنتخابية البالغ عددها12 نظاما انتخابيا، وإنما في أسس التربية المدرسية والعائلية والمجتمعية، وفي مجمل مخرجات التربية في المجتمع الذي لا يزال حتى اليوم رهنا بالعائلة وبالقرابة وبالعشيرة وبالحارة وبالعلاقات الفضفاضة المفتوحة، والتي تعمل عمل الساحر في توجيه وحسم خيارات الناخبين التي تنتهي بالنتيجة الى تجاهل ابسط فضائل الخيارات الإنتخابية والتمترس خلف النظام القرابي والمصلحي.
هذا السلوك الإنتخابي لن يتغير بالمطلق مهما حاولت الدولة والحكومات تهذيب قانون الإنتخاب ، وتفصيله على المقاس الذي تريده، فالمشكلة الأساسية أن الكثير من الناخبين ليست لديهم ثقافة ديمقراطية تعينهم في تحديد خياراتهم وتوجهاتهم، ويفتقدون لأبسط مقومات السلوك الديمقراطي فكرا وممارسة مما يجعل كل خياراتهم النهائية تنحصر في الإنحياز لمرضهم بالنظام القرابي والمصلحي على حساب الكفاءات والخبرات.
ولا بد من التأكيد على ان اية مقارنة بيننا وبين أي شعب ديمقراطي آخر ستكون ظالمة لنا وليست في صالحنا، هناك تقاليد واعراف وأفكار وسلوكيات وتربية ديمقراطية نشأت تلك الشعوب عليها وتربت عليها منذ الصغر، وهي التي تحدد خارطة الناخبين مع المرشحين، وهي التي تكرس أيضا أختيار الأفضل، والأكثر خبرة ، وخدمة وتفانيا.
اليوم كما في كل الأيام الماضية منذ سنة 1989 ونحن ندور في ذات المشكلة التي يتم تعميقها في كل موسم انتخابي، وتأتي النتائج على ما نراه في كل مجلس برلماني بصالحه وطالحه، وإذا ما أخضعنا المنتج الإنتخابي لصناديق الإقتراع للتحليل تفكيكا وتركيبا فسنرى ان نظام الإنتخاب القرابي والمصلحي هو الذي يحكم مجالس النواب وليس أي شيء آخر.
وحتى نخرج من هذه المشكلة علينا الإستثمارفي المستقبل، وفي الأجيال المقبلة من خلال إعادة تشكيل عقول الأجيال على قواعد ديمقراطية، وعلى أسس تفكير ديمقراطي سليم، ويبدأ ذلك من خلال المدارس، بتعليم الأجيال الجديدة كيفية أن يكونوا ديمقراطيين، وكيف يمكنهم ممارسة الديمقراطية فكرا وسلوكا، وتعليمهم كيف يطرحون الأسئلة وكيف يبحثون عن الإجابات، وكيف يراقبون وكيف يختارون، وكيف يفكرون وكيف يختلفون وكيف يأتلفون، ومتى يقبلون ومتى وكيف يرفضون.
وبالتزامن مع ذلك تماما على الدولة أن تتوجه فورا لتعزيز الحزبية، والعمل الحزبي الجماعي والبرامجي، وان تتخلى عن النهج الحالي في الرعاية الأبوية لأحزاب لا أثر لها في الشارع، ومع ذلك نجبر نحن المواطنين على دفع جزء من ضرائبنا لهذه المقاهي الشخصية على غير رغبة منا.
أما جيلنا الذي يحق له الوصول الى صناديق الإقتراع هذا الأوان فليست لديه مقومات تعديل سلوكه الإنتخابي، وحتى تعديل تفكيره الديمقراطي، ونحن تماما كمن خرج من حلبة المنافسة، ولم يعد لديه ما يخسره، مما يعني أن أي تعديل على اي قانون انتخاب، او اختيار اي نظام انتخابي لن يقدم في خياراتنا ولن يؤخر، فعندما يحين وقت الوقوف أمام صندوق الإقتراع سيتجرد الناخب من كل ثقافته وينحاز بفطرته للنظام القرابي والمصلحي والديني، وبعد ذلك بأيام معدودة سيخرج المحتجون معلنين ان المجلس المنتخب لا يمثلهم، ولاشرعية شعبية يملكها..
والسؤال من الذي انتخب كل هؤلاء الذين يصدقون انهم يمارسون التمثيل البرلماني في خاصرة العبدلي؟؟
مجرد تساؤل..؟؟//