دمشق...لماذا الآن..
موجة بحر
عامر الحباشنة
الحديث عن التحولات الكبرى فيما عرف بالربيع العربي، حديث شائك ومتداخل لكل حالة من حالات الدول التي مر بها هذا الربيع المزعوم، حيث تتداخل المعطيات الذاتية والموضوعية لكل تجربة، وهو امر يحتاج لأبحاث اكثر موضوعية خارج تأثير اللحظة واصطفافاتها الداخلية والإقليمية والدولية.
لكن ما لا يختلف عليه أن "الربيع الدمشقي " بنسخته الجارية أحداثها كان وما زال الحدث الأهم والأكثر تأثيرا في مساره ومسارات الدول الأخرى، فكانت دمشق محطة النهاية في الدومينو التونسي المصري الليبي واليمني، مثلما هي محطة البداية لوقف ذاك الدومينو، وكما ألت التجربة المصرية والليبية واليمنية لكارثة فعلت التدخلات الخارجية إقليميا ودوليا فعلها بها، فإن دمشق التي تم التخطيط لتكون الثانية بعد بغداد وقبل الجائزة الكبرى مصر، دمشق اربكت القطاعات ولم تسر كما توقع وخطط لها، فالدولة المتكئة على ارث طويل من التوازنات المركبة عرفت كيف تدير الازمة لتنجو بنفسها حتى اللحظة وان بجراح ثقيلة، وبعيدا عن الشعارات الدعائية التي تستخدم للتسويق والاستهلاك المحلي والإقليمي، من قبيل الثورة والحرية والمؤامرة الكونية والتحشيد المذهبي والطائفي، بعيدا عن هذه العناصر الاستهلاكية، فإن اللاعبين الأساسيين المتحالفين منهم والمتضادين يعرفون بعضهم البعض وكل يعرف موطن قوة وضعف الأخر، وعلى طاولاتهم تتم الخطط بمعزل عن كل ما يروجون.
دمشق كانت تشعر ومازالت بأنها قطب ومحور لا يتبع احدا، وارثها القديم قدمها يحضر في وجدانها وينعكس على اداءها بغض النظر عمن يحكمها، منذ قرون وحتى الأن، فهي من اوجدث أول انقلابا عسكريا في المنطقة وهي سلمت نفسها لمصر عبدالناصر وهي من انفصل عنه، هي من اوى الثورة ومن قلم اظافرها وهي من اصطف بوضوح مع طهران ضد بغداد ومن سهل مهمة مقاومتها وهي من عاند دول النفط وشارك بحفر باطنها وهي من يحكم بيروت دون احتلالها، هي متناقضات لا معنى لها سوى انها تميز نفسها، ومع حلول ربيعها الاختياري ظن البعض انها ستغير جلدها جذريا ، إلى أن جاء ربيعها الإجباري الممول بنفط حلفائها في الحفر وتسهيلات حليفها العشري في إسطنبول والمتزامن مع رأسها المطلوب كسره وتشويهه وليس قطعه، ففهمت اللعبة ولعبتها بأدوات أعدائها الجدد ومنهم حلفاء الماضي مما ساعدها على اللعب في ميدان تعرف قياساته وجمهوره وخططه، فكان ما كان وما هو مستمر، من ضرب تحت وفوق الحزام، ضرب دون هوادة لم يوفر فيه طرف ما لديه من سلاح وقدرات، فشرعوا عليها ابواب الطائفية والمذهبية، ليردها بنفس الطريقة ليواجه الداء بالداء، ومع رفع السقف يرفع سقفه، حتى إذا ما ضاقت كان الحليف الروسي في الميدان.
وفي كل المراحل كانت المواجهة تتقلب نتائجها وجولاتها بخسارة هنا وربح هناك، وكل ينتظر الأخر ان يبدأ الصراخ، ولم يصرخ أحدا طوال خمس سنين، لا المعارضات بأنواعها واصنافها ومموليها ولا الدولة وداعيمها ، حتى انقسم محور التضاد وتراخت جبهات وتناقضت توجهات، استثمرت بها دمشق جيدا بتنظيف نقاط الضغط في محيط العاصمة وغرب الفرات وقبلها حلب، وبدا ان المواجهة في الطريق للحل.
وفي الطريق للحل يخسر طرف ويربح طرف ودمشق ترى نفسها رابحة، لذلك لا بد من إستثمار اللحظة وصرف واقع الميدان العسكري في ميادين السياسة، لذلك جاء العدوان ليذكر دمشق بان حدود المواجهة مازالت مفتوحة وان هناك جولات لم تحسم في الجنوب وادلب وشرق الفرات والشمال المتكرد.
وفي هذا السياق، فإن دمشق التي خبرت حلفاءها وأعداءها المتغيرين، تعرف ان المواجهة لم تنته بعد وأن الجزء الأصعب قد يكون على وشك البدء، وهذا يتطلب حذرا لأن ما كل ما يؤخذ في الميدان يصرف في السياسة والعكس صحيح.
واخيرا وبعد عقود عندما يؤرخ التاريخ صفحاته لن يجد متسعا من الوقت للتفاصيل وسيختصر الأحداث بما لا يتجاوز صفحة ستقول ان موجة الربيع العربي الذي تم السيطرة عليه وركوب موجتها أمريكيا و غربيا بتمويل من النفط العربي ،هذه الموجة انكسرت على صخرة من صخور قاسيون، او انها تجاوزته لما بعده... وقد بلغ عدد ضحايا تلك المرحلة...... وتم تدمير البنية التحتية للدولة السورية وسيتحمل المسؤولية عن كل ذلك الطرف المهزوم، وستمر كل البكائيات والحملات والحملات المضادة والشعارات والشعارات المضادة... ستمر دون أدنى انتباه.،وستبقى دمشق وسيمضي الجميع.
ولله الأمر من قبل ومن بعد//.