النكت الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي رصد للمزاج العام

النكت الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي رصد للمزاج العام

 

عمان – بترا

أصبحت النكتة الساخرة التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة أصيلة في جميع المجتمعات، ولها أرضاً خصبة في البيئات التي تعاني أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو احتقاناً ،ترصد المزاج العام لما يحدث لخفايا الامور واحيانا لجس النبض ومعرفة اهتمامات الناس والقضايا التي تشغل بالهم ، وفق ما يؤكد متخصصون وناشطون على مواقع التواصل .

 

ويرى هؤلاء ان النكتة أصبحت سلاح الضعفاء في النقد خلال الازمات، ولكن مع العالم الافتراضي سرعان ما تنتهي صلاحيتها ويتم استهلاكها بسرعة فلا يجب الخشية منها، بل الحذر من ما وراءها. تقول رئيسة مركز الجندر للاستشارات النسوية والاجتماعية الدكتورة عصمت حوسو نشهد حاليا (ثورة نكت ساخرة ) في العالم الافتراضي تساعد في التنفيس عن الآمنا والتأقلم مع الواقع المطبق والمرهق،إذ أن كثرة استخدام النكت في الوقت الحالي هو ميكانزم دفاعي لقهر القهر وتعبير عن صراخ الصامتين.

 

وتشير إلى أنه في ظل عصر الانترنت والهواتف الذكية لايمكن التحكم في مصدر صناعة النكت أو ضبط إيقاعها ولا حتى ايقاف رواجها وسرعة انتشارها، فهي لسان الحال لقهر القهر، وان كثرة النكات الساخرة تارة واللاذعة تارة اخرى دون توقف على وسائل التواصل الاجتماعي تنطوي على مضامين وأبعاد اجتماعيىة سياسية جديرة بالتوقف والتأمل فيها خاصة وأن النكت هى أحد التعابير الرمزية في المخزون الثقافي وهي ركيزة اساسية لفهم المجتمع وما يدور فيه من احداث وتكشف عن الجوانب الخفية في العقل الجمعي من مواقف أو سخط أو رفض أو رغبات مكبوتة وكذلك التطلعات والامال .

 

وتلفت حوسو الى أن أغلب النكت لا تمتاز ببريق جمالي لافت للنظر، بل قد تكون سخيفة مرة وقبيحة مرات ولكن سرعة انتشارها واهميتها ترتبط باهمية الحدث أو الشخص المرتبط بها، فهى نتاج فكري يطال كافة شرائح المجتمع فلا أحد يسلم منها، وتعبر عما يجول في عقول السواد الاعظم من المجتمع .

 

وتساءلت كيف لا يلجأ المواطن إلى آليات الهزل والضحك والتعبير ؟ وهل هنالك أليات أخرى مباحة ؟ داعية الى تأمل دوافع تلك الاليات قبل أن نحاسبهم عليها ونجرمهم الكترونيا، اليس القهر والتفاوت الاجتماعي والطبقي والقمع المادي والمعنوي المسلط على حريات الرأي والتعبير واستنزاف جيب المواطن تقود الى عواقب أكثر من ذلك .

 

وتؤكد ضرورة تشجيع المواطنين على اليتهم الدفاعية (السلمية) ،ازاء ما يحدث للتعبير عن حقهم في حرية الرأي ، وإن كانت أحد اشكال العنف اللفظي الافتراضي إلا انها أقل خطرا من وسائل أخرى، وأسلم لنا وللمجتمع والوطن.

 

وتقول رئيسة قسم العلوم التربوية بجامعة البترا الدكتورة اسيل الشواربـ إنه مع انتشار الاعلام باشكاله المختلفة وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي ، أصبحت السخرية أداة سهلة لنقد الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطن،لافتة أن كل شخص استلم دفة السخرية بغض النظر عن فهمه لماهية السخرية وفنها أو قدرته على توصيل الفكرة باسلوب ساخر ، فانقلبت أحيانا إلى تهكم أو نقد مؤذ وفقدت بوصلتها كفن راق للتعبير .

 

وتضيف بغض النظر عن جودة المادة الساخرة، فالساخرون من الحياة وأهلها يكثرون حين ينتشر الفقر ويتعاظم القهر بين الناس،لان الكتابة الساخرة تظل نافذة لنقد الفاسدين والتنكيل بهم خصوصًا في وجه المسؤول الفاسد،وهي اليوم هي أعلى مستويات الجدية! والجدية هي أدنى مستويات السخرية.

 

وحول ضعف المنتج في ما ينشر، تؤكد أن من يمارس الكتابة الساخرة ينطلق من مفهوم خاطئ يختزلها في مجرد الإضحاك وتكلف النكت التي هي في أحسن أحوالها تندرج تحت فن «التهريج»، وهو فن محترم له أربابه لكنه يختلف عن الكوميديا التي يفترض أن تندرج تحتها الكتابة الساخرة!! وتبين أن السخرية ليست خيارا كتابيا بقدر ما هي سلوك عفوي، بمعنى أن الكاتب لا يقرر مسبقا أن يكتب مادة ساخرة، بل الحدث هو الذي يدفعه إلى ذلك دفعًا، قد يظن بعضهم أن الكتابة الساخرة هي الطريق الأسهل لما تحتويه أحيانًا من بساطة ظاهرة وهذا غير صحيح فالواقع يقول: "إنه من السهل جدًا أن تبكي الناس ولكن من الصعب أن تضحكهم".

 

ويرى أن من ميزات الكتابة الساخرة سرعة وصولها إلى قلوب الناس وقدرتها على توجيه ضربات موجعة للموضوع محل الانتقاد أما أكبر عيوبها فتكمن في صعوبة تقنياتها وأسرارها.

 

‏ وتشير الشوارب الى أن الفن الساخر والنكات في شكلها الحالي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لها جذور في الثقافة العربية، لكن الجو العام في المجتمع اليوم بات ينفر من هذا الفن ويضيق عليه، وأن هذا مؤشر لانخفاض سقف حرية التعبير في المنطقة،مبينة أن هذا الفن هو أكثر الفنون شراهة للحرية، وتطوره مرتبط بمقدار مساحتها ومن يقرأ تاريخ هذا الفن في الغرب، يجد أن هذه الدول مرت بما نمر به اليوم، من رفض وتضييق على فن السخرية، واعتباره استهزاء بالقيم وتحقيرا للاشخاص.

 

وتلفت إلى أن الاوضاع السياسية والاجتماعية في منطقتنا العربية في أمس الحاجة إلى "النكتة" والضحك، باعتبارها أسلم الطرق للتعبير عنها، كما لا يمكن النظر الى الكميات المتداولة للطرائف والنكات في مجتمعنا على انها سلبية بقدر ما تشكل حالة تستدعي دراستها وتشخيصها والبحث في ما وراءها، مبينة أن السخرية باتجاهين؛ اتجاه ايجابي فعال، واتجاه سلبي هدام، الأمر الذي يستدعي الحذر فيما يقدم من فن ساخر .

 

ويرى الناشط المهندس موفق زيادات، أن النكت، تنشر من قبل أطراف تعمل على تسخيف أثر السياسات الإقتصادية والإجتماعية التي تطحن المواطن وتسهم في زيادة افقاره وتهميشه، لافتا الى أن البعض يستخدمها للتنفيس عن غضب الناس من هكذا سياسات، وهي تعكس فقدان ثقة الشعب وعجزه بإمكانية تغيير السياسات، إضافة إلى أنها تهدف الى ابعاد الناس عن دائرة الفعل والتأثير على صاحب القرار.

 

ويشير أنه في ظل تعدد موجات الإحباط التي أصابت الشباب بعد فشل ما يعرف بـ "ثورات الربيع العربي" وما لحقها من قتل وتطرف وتدمير، برزت ظاهرة الانسحاب من الشأن العام لدى الشباب العربي، وتفشي اتجاه العدمية والترفع عن الاهتمام والتفاعل مع قضايا الناس، ما جعل بعض المفكرين يعتبرون أن الإنسان الحديث أصبح منفصلا عن كل قيمة جادة، ومترفعا على واقعه وغير مكترث بالانخراط في قضاياه .