عن الكلام الحرام والماء والحرية

 

وليد حسني

 

أحب الماء وحريتي، أقول لنفسي ، تعذبي قليلا في الحياد ريثما ينطق المطر، يصرخ الليل في كنه التهجي، وانام حالما بين وردتين ووسادتين، والقليل من رذاذ المطر..

 

أحب الماء وحريتي أكثر من حبي لحبيبي، تتساوى المساءات هنا، وتستوي العواطف، أقول لنجمة تطارد فراشة على شباك جارتنا، انتظري العتاب ريثما تمر القناديل زرقاء مثل لون البحر الكاذب لنكتب سطورنا بماء المطر..

 

وأحب الماء حين يأخذني لسطوتي وشقوتي وضلالي، أقول كلاما أقل عن عاشقين يتناجيان تحت المطر، فلا الماء يغفر لهما ما يبوحان به، ولا التذكر ينسيهما أول مرة تلاقت اليدان خلسة على مقعد وحيد في حديقة عامة..

 

وأحب الماء وحريتي، أقول شيئا عن دفء العلاقات بين برزخين، وشاطئين، وهواءين وقدرين وقضاءين، أين أنا من كل هذه الثنائية التي تحكم الكون وتلقيني بعيدا في عتمة التهجي وانتظار الأمل..

 

وأحب الماء، أحب قدري حين يكون مغلفا برذاذ الإنتظار، وحين يكون في اليدين بريئا أكثر مما تحتمله البراءة في قاموس الإتهام ورشق العصافير على الشرفات بحبات الرمان..

 

وأحب الماء، أحبه لأن ثمة فضاء للطهارة البريئة، لإحتمال التقاسم الشخصي لمكانين ضيقين لا يتسعان لغير طائر يتوق لحريته، ويسهب فارسا في الغناء البريء..

 

واحب الماء كيفما اتفق لي، لا أقول الكثير عن النجاسات، وفقه الطهارات، والقيود وحراس البوابات، والراقصين على اوتار القانون، والزاحفين في خنادق قسوتهم وجبروتهم..

 

وأحب الماء، هذا الكائن المائي الذي يكوِّنُنا، ويدهشنا ويغرينا بالحياة، وبالصبر، وبانتظار الأمل الذي يتشكل ماء على بعد خطوتين من حريتنا..

 

واحب الماء والكلام، والصهيل، والهمس، والعتاب الحنون، وأحب مراقبة سرب من الكلام يفتح حروفه على فضاء يتسع لكل ما يبيح الود بين عدوين..

 

انا لا أحب الماء..

 

لا أحب التشظي بين قطرات المطر، ولا احب محاصرتي بين كيمياء الماء، فهما عنصران يمتزجان ويتحدان ضدي وضد عواطفي، ويغتالان حريتي..

 

ولا أحب الماء الذي يشربني، لا أحب الإصطفاف في طابور طويل بانتظار الدفق الالهي من غيمة تتوه شاردة لا تعرف أين تنزف ، وكيف تخلص من أوجاعها..

 

انا لا أحب الماء،لا أحب الكلام الحرام عن أطهر عنصر في كوننا المتسخ بالكراهية وبالحروف السيئة وبحرية تذوب في قطرة ماء..

 

أن لا أحب الماء.. لا أحب الماء..//