تفعيل عقوبة رمي المخلفات من نوافذ السيارات.. الحل الأمثل للحد من الظاهرة السلبية
تفعيل عقوبة رمي المخلفات من نوافذ السيارات.. الحل الأمثل للحد من الظاهرة السلبية
د. نهاية القاسم
يتقصد العديد من الأشخاص إلقاء النفايات من نوافذ المركبات، من أكياس وبقايا طعام وأعقاب سجائر، وكل ما يفيض على حاجة الشخص في المركبة! وأصبح رمي المخلفات من نوافذ السيارات ظاهرة منتشرة وربما تقليدا أعمى، والأشخاص الذين يرمون مخلفاتهم من نوافذ السيارات يفعلون ذلك أمام الناس، فكأنما أصبح الأمر عاديا أن ترمي تلك النفاية من نافذة السيارة، وربما يرجع السبب في ذلك إلى ضعف التوعية المجتمعية بسلبيات هذا السلوك، المتمثل في تشويه المنظر العام الذي يجب أن يحافظ الإنسان عليه، فضلا عن تسمم الحيوان فالكثير من الأغنام تأكل تلك المخلفات المرمية وبعضها ينفق جراء ابتلاع البلاستيك والأوراق والمخلفات التي تلوثت بمسببات الأمراض.
ووفق الرصد التابع لكاميرات المخالفة لأمانة عمان وحدها، تبيّن خلال السنوات الخمس الماضية وجود 340 ألفا و210 مخالفات بيئية تحت بند "إلقاء النفايات من نوافذ المركبات"؛ وبمعدل نحو "68" ألف مخالفة سنويا، ناهيك عن باقي المخالفات التي ترتكتب في بقية المحافظات في المملكة.
الرقم يدلل على ظاهرة خطيرة وفق خبراء علم الاجتماع ، الذي يوضح أن معدلات الأرقام للأسف تشير الى تفشي هذه الظاهرة السلبية بسلوك المواطن الأردني، رقم صدم الكثيرين الذين يعتقدون أن مشكلة النظافة في الطرقات العامة سببها تقصير من جهات رسمية. وهذا بحد ذاته مؤشر خطر وان سلوك المجتمع آخذ الى الانحدار ويجب أن يتغيّر، الى جانب توعية مجتمعية رسمية وخاصة بأهمية المحافظة على النظافة بشكل عام، وأن مثل هذا الرقم يجب أن يعمل على إعادة ترتيب الأوراق الرسمية والمؤسسات المسؤولة للعمل على اتخاذ أساليب للحد من هذه الظاهرة.
ومثل تلك السلوكيات، تعد منفرة وسلبية وتؤثر على المجتمع والبيئة والثقافة والصورة الحضارية للأردن، ويعزا ذلك من وجهة نظرهم الى العادات الخاطئة والتنشئة غيرالصحيحة واللا مبالية بالنظافة العامة.
ورغم الجهود الجبارة التي تقوم بها البلديات في مجال النظافة العامة وما يقوم به عمال الوطن من جهد واضح يوميا بتنظيف الشوارع والتقاط كل الأوساخ الملقاة هنا وهناك، والتي أصبحت مرتعا لتجمع الحيونات الضالة، رغم ذلك لا يزال بعض السائقين سائرين في ممارساتهم الخاطئة التي يجب أن يوضع لها حد، فما يحدث بشكل يومي في الشوارع العامة أمر لا يمكن السكوت عليه، عمالة تجتهد كل صباح وتقاسي الحر والبرد وتسابق الزمن لتبقي شوارع المدن نظيفة، وفي المقابل يقف أناس لا يتورعون عن إلقاء الأكياس الممتلئة ببقايا الطعام وعلب المشروبات المتنوعة على قارعة الطريق غير آبهين بنظافة الشارع أو على الأقل مراعاة شعور من يقفون بجانبهم من أناس ينكرون عليهم هذه الأفعال المشينة.
من هنا آن لنا أن نعي أن نظافة البيئة مطلب شرعي قبل أن تكون مطلبا إنسانيا أو صحيا، فالدين الإسلامي يحث على النظافة، ويحرِّم الاعتداء على الشوارع، ويطالب بإماطة الأذى عن الطريق، لا رمي الأذى عليها، وفي اعتقادي أن حل هذه الظاهرة لن يتم إلا عن طريق استشعار الجميع لأهمية النظافة، ووجوب تطبيقها، والتقيد بها في جميع الأماكن والطرق، وفي مختلف الأوقات والأوضاع، كما أن فرض غرامات وعقوبات رادعة بحق أي شخص يقوم بالاعتداء على الطريق برميه للمخلفات مهما كان شكلها أو نوعها سيساهم كثيرا في الحد من انتشار هذه الظاهرة، بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في التوعية بهذا الجانب.
لم تعد تثير اهتمام أحد
إن ظاهرة رمي المخلفات من السيارة على الشوارع انتشرت مؤخرا بحيث لم تعد تثير اهتمام أحد، وخاصة أولئك الأشخاص الذين لا يفهمون معنى الحق العام وضرورة حماية البيئة من مثل هذه المخالفات، وكان الله في عون أفراد شرطة المرور الذين يقومون يوميا بمكافحة بعض الظواهر التي لم تدخل أصلا في مهامهم، فهم مطالبون بالوقوف في وجه السائقين المستهترين بقوانين المرور، ومطالبين بتسهيل حركة السير، ومتابعة الحوادث، إلى غير ذلك من المهام الجسام الملقاة على عاتقهم، لكن يريد لهم البعض اليوم أن تضاف مسؤولية جديدة إلى مسؤولياتهم، فكيف نطالب شرطة المرور بمنع شخص لا يهتم أصلا بنظافة ملبسه ومسكنه من إلقاء نفايات على الطريق، فمثل هذا لن يساعد على بقاء الشارع نظيفا أبدا؟
وأنه ورغم تناول وسائل الإعلام لهذا الموضوع كثيرا، إلا أن محاربته بحاجة ماسة إلى طرحه مرات عديدة حتى نقضي على هذا المسلك غير الحضاري، فقد تفشت في الفترة الأخيرة هذه الظاهرة عن طريق البعض من سائقي المركبات أو مرافقيهم خلال عملية القيادة في الشوارع والطرقات العامة، ومما يبعث على الحسرة أن هذه الظاهرة لم تتراجع بل إنها تترسخ أكثر فأكثر، والغريب في الأمر أن من بين أبطالها شبابا من الجيل المتعلم مما يؤكد غياب ثقافة الحفاظ على البيئة، وأن علب المشروبات الغازية، والأوراق التي تغلف الساندويتشات وأعقاب السجائر تعتبر من أكثر المرميات على الطريق، وبعضهم يخرج لتوه من المسجد بعد أداء الصلاة ويرتكب هذه الأفعال المنافية لقول رسولنا الكريم " إماطة الأذى عن الطريق صدقة"، أما موضوع البصق فهو والله شيء يثير الغثيان لأن الجميع يرونه ويشاهدونه كل يوم، من هنا لا بد وأن نعي أن الحفاظ على بيئتنا ونظافة شوارعنا تعتبر مسؤولية الجميع التي يجب علينا تأديتها بشكل حضاري، وبإرادة ومجهود بسيط منا جميعاً وبمتابعة من قبل الجهات المسؤولة ربما نسهم في التخفيف منها قدر المستطاع، والمضحك المبكي أن صاحب هذه السيارة يفضل المحافظة على نظافة سيارته بالإساءة على الشارع الذي وضع لخدمته، وعند سؤاله عن سبب قيامه بمثل هذه التصرفات يجيبك :" أنا دافع ضريبة خلي عامل الوطن يشتغل... وين المشكلة!!" .
شخصيا أعتبر هذا شعورا نابعا من عدم المسؤولية ويعتبر مصلحة شخصية وافتقاد ثقافة الاهتمام بنظافة الشارع والمدينة وعندما تسال أي واحد من هؤلاء سيقول لك: إن الشارع غير نظيف.; ما زال البعض يتجاهل أضرار رمي المخلفات من نوافذ السيارات على البيئة، فيرمون مخلفاتهم من نوافذ السيارات في أي مكان أرادوا وفي أي طريق شاءوا دون مبالاة ولا اعتبار بأهمية نظافة الأماكن والطرقات!
هؤلاء اتخذوا من سلوكهم هذا عادة ونمط حياة حتى أصبحوا لا يبالون بوجود الآخرين في تلك الأماكن، بل إن منهم أيضا من يرمون المخلفات من نوافذ سياراتهم وهم وسط مكان تجاري مزدحم بحركة الناس والسيارات.
هذا السلوك غير الحضاري مناف للقيم والأخلاق والمبادئ، كما أنه يتعارض مع الإحساس بالمسؤولية تجاه المحافظة على نظافة البيئة وضمان خلوها من المخلفات والنفايات التي تحوم حولها الحشرات وتنتشر منها الأمراض والأوبئة الضارة بصحة الإنسان، بل إن ضررها يطال حتى الحيوان، فهناك الكثير من الإبل والأغنام تلتهم الورق والمخلفات، وربما نفقت نتيجة ما تتأثر به من أكل تلك المخلفات التي أصبحت سامة بانتشار الحشرات فيها.
وجود حاويات قمامة
وعلى الرغم مما قامت وتقوم به البلديات الإقليمية وموارد المياه حيث وفرت حاويات لرمي المخلفات في معظم الأماكن، إلى جانب حرص أفرع البلديات في المحافظات على توفير تلك الحاويات في الشواطئ والأسواق وبين الحارات، وعلى الرغم مما تضعه من مسابقات للنظافة وجوائز لأفضل عمل بلدي إلا أن الأمر راجع إلى إحساس الأفراد أنفسهم بالمسؤولية نحو المحافظة على بيئة خالية من التلوث وانتشار الأمراض فيها.
من المقترح أن توفر وزارة البلديات مزيدا من حاويات القمامة بحيث تشمل جميع الأماكن بجانب الأسواق والشواطئ والطرقات العامة، وليس بالضرورة أن تكون ذات الحجم الكبير وإنما حاويات مناسبة تكفي الغرض، وأن تقوم الجهات المعنية بزيادة جرعات التوعية المجتمعية حول سلبيات وأضرار رمي المخلفات لاسيما في خطب الجمعة والمحاضرات وفي النوادي والمدارس.
ضعف الوازع الديني
ربما لا نتفق مع البعض الذين يعزون هذه الظاهرة الى ضعف الوعي لدى هذه الشريحة من الناس وإنما يؤكد أن ذلك منبعه الوازع الديني، حيث من المؤكد أن الأشخاص الذين يرمون المخلفات من نوافذ سياراتهم يعلمون أن هذا السلوك غير حضاري ولا يمكن أن يتقبله عاقل، كما يعلمون بأضرار ما يرمون على البيئة والصحة العامة، ولكنهم لا يبالون وقد عودوا أنفسهم على ذلك، وهو نابع من ضعف الوازع الديني لديهم وعدم الإحساس بالمسؤولية.
نفايات بلاستيكية
و قد تكون بعض المخلفات التي يرميها الناس من نوافذ سياراتهم صناعات بلاستيكية وهذه تظل إلى سنوات لا تتحلل ولا تنتهي، وهنا تكمن الخطورة هذه المواد في انبعاث الرائحة المحملة بالأمراض، ونحن نعلم ما تسببه هذه المواد من أمراض سرطانية – لا قدر الله – وربما يأكلها الحيوان للأكل كل يوم ما يتسبب بمرضه ثم نفوقه.
أن أهم خطوة يجب أن تنفذ هي تفعيل العقوبات وتغليظها على المخالفين، وزيادة التشريعات والقوانين التي تجرّم إلقاء النفايات لتكون نوعا من أنواع ردع الشخص عن القيام بمثل ذلك السلوك. مجتمعيا، ينصح بأن تعمل المؤسسات بشكل متواصل على إثارة الموضوع وتوعية المجتمع من خلال وسائل الإعلام الموجودة وتسليط الضوء عليها.
الظاهرة سلبية ومنفرة، وأن على المواطن أن ينظر للممتلكات العامة على أنها خاصة؛ كمثال أنه لا يقبل أن يرمي النفايات في منزله فيجب أن يتعامل مع الطرقات بالوطن على أنها ممتلكات خاصة لجميع الشعب.
هناك دور كبير على الأهالي في توعية الأبناء، ومنه أن يعملوا أولادهم أهمية الحفظ على نظافة بلدهم، إضافة الى قيام المؤسسات بتوعية أطفال المدارس وطلبة الجامعات.
"الحفاظ على البيئة هو واجب وطني" كما أن المحافظة على الممتلكات العامة تدلل على مدى انتماء المواطن لأرضه ومكانه، كما يبين خبراء علم الاجتماع ، وأن عكس ذلك يؤدي الى تشويه الصورة للوطن والبيئة والصحة.
مشكلة تبحث عن حل
من هنا تاتي الدعوات من قبل العديد من الاشخاص المهتمين بشؤون البيئة إلى قيام الجهات الرسمية المختصة بمخالفة من يرمون النفايات من نوافذ سياراتهم الى الطرقات العامة وغيرها، وسن تشريعات قانونية يخضع لها الجميع، وتفعيلها بشكل رسمي.
ووفق البند (12) من المادة (37) من قانون السير رقم (49) للعام 2008، فان قيمة مخالفة القاء النفايات من نوافذ المركبات لا تقل عن عشرة دنانير ولا تزيد عن عشرين دينارا.
وهنا نقترح تفعيل عقوبات ومخالفات لمرتكبي هذا السلوك وتشديدها، وأن تكون تلك المخالفات مُعلنة للناس ولو عن طريق وسائل الإعلام كالتلفزيون والإذاعة، حيث ينظر إلى المخالفة التي يترتب عليها غرامة مالية يدفعها من يرمى مخلفات بطريقة عشوائية كرادع لعدم ارتكاب هذا السلوك غير الحضاري مرة أخرى.
ولأهمية هذا الموضوع فقد تناوله الكثير من المواقع والمنتديات والصحف وأشارت الآراء والردود إلى الانتشار الكبير لهذا السلوك بين أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، وخاصة في أيام فصلي الربيع والصيف حيث تكثر النزهات والخروج بالسيارات في فترة المساء تحديدا، حيث تعاني تلك الأماكن من إهمال بعض الأفراد الذين خرجوا للتمتع بالمناظر الطبيعية والجميلة، فتجد الكثير من العائلات يتركون مخلفاتهم مبعثرة هنا وهناك في الحدائق والمتنزهات، دون مبالاة أو اعتبار لمن سيأتي بعدهم من العائلات الأخرى ويرغب في الجلوس في المكان نفسه.
وأشارت بعض تلك الآراء إلى أن الغرامة المالية والتي لا زالت غير واضحة، وفي هذا الإطار، طالب الجميع ممن استطلعنا آراءهم بوضوح حول الجهة المسؤولة عن مخالفة تلك السلوكيات والتصرفات غير المقبولة، وفرض عقوبة صارمة أو غرامات مالية رادعة للحد منها، وهو أمر معمول به في كثير من دول العالم بل إن بعض الدول المجاورة قد أطلق على المخالفة المرورية التي فرضتها على مرتكبيها تحت مسمى خاص وهي” مخالفة رمي النفايات من السيارات”.
وتكمن حلول الحد من هذه السلوك غير الحضاري في تفعيل الغرامة أو المخالفة القانونية لمن يرمي المخلفات من نوافذ السيارات، وتشديدها لتسهم في الحد من الظاهرة، والعمل على توعية المواطنين والمقيمين على حد سواء بسلبياتها عبر وسائل الإعلام المتاحة، كما يجب أن تكون المسابقات التي تقيمها الجهات الرسمية في هذا الجانب أكثر واقعية، بحيث يمكن أن تخرج مجموعات الأنشطة الطلابية من المدرسة إلى الميدان الفعلي، وتقوم بدور التثقيف والتوجيه والإرشاد التي من شأنها أن تعود الأجيال على أهمية رمي المخلفات في أماكنها المخصصة، وضمان ترك الأماكن نظيفة صحية.
كذلك يجب أن تقوم المساجد والنوادي الثقافية بدورها في ترسيخ مبدأ النظافة كمبدأ أخلاقي قيمي دعا إليه ديننا الحنيف، وحث المواطنين والمقيمين خلال العديد من الخطب والمحاضرات على رمي المخلفات في حاويات النفايات لتكون بيئتنا صحية آمنة وخالية من الأمراض.//