موجة بحر حتى لا نحرث بالماء

المهندس عامر الحباشنة

طوال عقود والحكومات المتعاقبة تضع خططنا الإقتصادية وترسم مسارات التنمية في مستوياتها السياسية والتنموية والاصلاحية، ومع كل حكومة تأتي خطة وخطط ومع رحليها ترحل خططها وخطوطها،  فمنذ عقود تعودنا على صيغة ان القادم الجديد يلمز سلفه بطريقة أو اخرى، وكل جديد يبدا وكأنه يبدأ من الصفر،  فمثلا  لو استعرضنا حكومات دولة سمير الرفاعي وبرنامج المحاور الستة لتجاوز التحدي الإقتصادي ودولة ابو زهير في سياسة التقشف والرفع وصولا لحكومة دولة هاني الملقي وبرنامج التطوير والتحفيز الإقتصادي لتجاوز مرحلة عنق الزجاجة،  لو استعرضنا تلك البرامج وأعترف أنني لست اقتصاديا بما يكفي، لوجدنا ان سياق الخطط والوعود يتكرر في كثير من مفرداته، وهنا لا اريد التشكيك فيما تورده واوردته هذه الحكومات لأنهم أصحاب القرار وأكثر اطلاعا على معطيات قد لا نعرفها،  لكن السؤال المثار دوما والذي لا إجابة له،  هل نحن صريحون بما يكفي حول الوضع الاقتصادي العام ؟؟ وهل كنا كذلك في السابق؟؟، وهل يمكن ان تكون الحكومة صريحة بما يكفي لإقناع الجمهور والمتلقي الذي هو محور العملية ودافع ثمنها!!، وإذا كنا كذلك فلماذا لا تمتلك الخطط الحكومية حدا من الثقة يجعل المواطن والمختص خارج إطار السلطة التنفيذية مدافعا عنها.

الحال والواقع أن حكوماتنا المتعاقبة تقول كلمتها وتفعل فعلها وتقنع نفسها،  دون تكلف عناء اقناع الجمهور وهو المتأثر بسياستها أولا وأخيرا،  والقناعة هنا ليست إستفتاء أو دفاعا عن منهج اقتصادي تقوم به الحكومة وتراه الأنسب،  القناعة هي مرتبطة بعنصرين، الأول المواطن ومدى إنعكاس تلك السياسات عليه وعلى حياته اليومية، والعنصر الاخر أولئك المتخصصون ممن هم خارج مسرح الحكومة ويمارسون نقدا لسياستها ويبدو هذا النقد مقنعا للجمهور المتلقي.

لذلك وحتى لا نحمل طرفا بعينه تراكمات طويلة من الخطط والبرامج التي لم تؤت أكلها،  وحتى لا نمارس سياسة امتلاك المعرفة المطلقة للسلطة التنفيذية ولا لغيرها ،  وحتى يصل الجميع للحد الادنى من الثفة والقناعة بما يجري بعيدا عن مسارات ومنهج النفعية وتمرير اللحظة ونظرية - ماحدش قاري ورانا-  ، (الأصل متابعة السلطة التشريعية لكنها باعتراف أهلها بلا فعالية حقيقية ) .

لكل هذا ولمصلحة وطنية عليا ، فإن الحكومة كجهة تنفيذية مدعوة لسماع ما يقال من بعض المختصين ممن هم خارج تأثيرها المباشر، وهم معروفون ومن جهات سياسية حزبية ونقابية ومدنية ممن يمارسون دراسة ومتابعة ونقد خياراتها الاقتصادية،  السماع من كل هؤلاء على أرضية حوارات حقيقية ينتج عنها خطط مرحلية واستراتيجية يصبح الجميع شريكا في صياغتها بمستوى واخر،  وهذا يريح الحكومة من تلقي انعكاسات قراراتها وتحمل ما لا طاقة لها به،  وأقول الحكومة مدعوة لأنها صاحبة القرار،  وإذا ما أفضت تلك الحوارات لقرارات صعبة لا بد منها، فإن الجميع سيحمل عبأها.، فالاقتصاد مثلما السياسة مدارس، فلماذا نصر على مدرسة ومنهاج واحد ونضيق على الجميع بما يمكن ان يكون رحبا،  وغير ذلك ستفعل الحكومة وتمارس ما تراه مناسبا ويبقى الآخرون يمارسون دورهم في النقد والمعارضة ، وتخسر الحكومات ثقة مواطنيها تباعا ونبقى نحرث ماء، يكلف الوطن والمواطن جهدا وجهودا دونما ثمار ، وأعان الله الجميع.

ولله الأمر من قبل ومن بعد//