أولبرايت تدعو لإيقاف ترمب قبل فوات الأوان



استهلت أولبرايت (81 عاما) مقالها بالحديث عن الفاشية وأجواء الحرب العالمية الثانية التي شهدتها وعاشتها طفلة، قائلة 'إن فاشية هذه الأيام تشكل تهديدا أكثر خطورة مما كانت عليه في أي وقت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية'.

وتمضي قائلة إنه قبل 73 عاما وبالتحديد يوم 28 أبريل/نيسان عام 1945 علق الإيطاليون جثة دكتاتورهم السابق بينيتو موسوليني مقلوبة بجوار محطة وقود بمدينة ميلانو، وبعد يومين انتحر الزعيم النازي أدولف هتلر في مخبئه تحت شوارع برلين التي دمرتها الحرب، وبدا أن الفاشية قد ماتت.

وللحيلولة دون تكرار تلك المرحلة، تضافرت جهود الناجين من الحرب والمحرقة لإنشاء الأمم المتحدة، ومؤسسات مالية عالمية، وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون.

ومن الحرب الكونية الثانية وحتى نهاية الحرب الباردة، تقول أولبرايت إنه عام 1989 كانت الحرية صاعدة حيث انهار جدار برلين، وزادت قائمة الحكومات المنتخبة ليس في أوروبا الوسطى فحسب بل أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا أيضا. وبدا أن الدكتاتوريين خرجوا بينما دخل الديمقراطيون.

واليوم نحن في حقبة جديدة نختبر فيها ما إذا كانت راية الديمقراطية يمكن أن تظل عالية وسط الإرهاب، والصراعات الطائفية، والحدود الضعيفة، ووسائل الإعلام الاجتماعية المارقة، والمخططات الساخرة للرجال الطموحين.

وترى أولبرايت أن ثمة إشارات تحذيرية لإحكام القبضة على السلطة من قبل الأطراف الحاكمة في المجر والفلبين وبولندا وتركيا، وجميعها حلفاء الولايات المتحدة.

كما تشير إلى أن هناك غضبا واضحا يغذي الفاشية عبر المحيط الأطلسي حيث تنمو حركات المعارضة لفكرة أوروبا الموحدة، بما في ذلك ألمانيا التي أصبح 'بديل لألمانيا' حزب المعارضة الرئيسي فيها. كما يظهر خطر الاستبداد في روسيا حيث أعيد انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا، والحال يشبهه في فنزويلا والصين بتمديد فترة حكم الرئيس.

لصوص الحلم 
وتتطرق أولبرايت للوضع بالمنطقة العربية، فتشير إلى تبخر الآمال التي عقدتها الشعوب على الربيع العربي، حيث انخدعت الشعوب من استبداديين مثل عبد الفتاح السيسي حين يتحججون بالأمن لحبس الصحفيين والمعارضين السياسيين. وبفضل الحلفاء في موسكو وطهران، يحتفظ الطاغية بشار الأسد بقبضة خانقة على معظم سوريا.

أما في أفريقيا، فغالبا ما يكون الرؤساء الذين يمضون فترة أكبر في الحكم هم الأكثر فسادا، ومع كل سنة من حكمهم تتضاعف الأضرار التي يلحقونها ببلادهم.

وبعد هذا الاستعراض، تخلص أولبرايت إلى القول إن إمكانية منح الفاشية فرصة جديدة تتعزز في المسرح العالمي بالرئاسة المتقلبة لترمب.

ملهم الدكتاتوريين 
وتفصل ما ذهبت إليه ولخصته بجملتها السابقة قائلة إن ترمب قلص نفوذ أميركا الإيجابي في المحافل الدولية. فبدلا من حشد التحالفات الدولية لمواجهة المشاكل العالمية يروج لعقيدة 'كل أمة تعمل من أجل نفسها' وقاد أميركا إلى مواقف معزولة عن التجارة وتغير المناخ وسلام الشرق الأوسط.

وترى أنه بدلا من الانخراط في 'الدبلوماسية الإبداعية ' أهان ترمب وإدارته جيران الولايات المتحدة وحلفاءها، وانتقل بعيدا عن الاتفاقيات الدولية الرئيسية، وسخر من المنظمات متعددة الأطراف، وجرد وزارة الخارجية من مواردها ودورها.

وبدلا من الدفاع عن قيم المجتمع الحر، عزز ترمب ـ من خلال ازدرائه الشديد لجماعات بناء الديمقراطيةـ أيدي الدكتاتوريين، فباتوا في مأمن من انتقاد الولايات المتحدة لهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو الحريات المدنية. بل على العكس، يمكنهم أن يشيروا ويستشهدوا بكلمات ترمب الخاصة لتبرير أعمالهم القمعية.

وتمضي الوزيرة السابقة قائلة إن ترمب هاجم السلطة القضائية، وسخر من وسائل الإعلام، ودافع عن التعذيب، وتغاضى عن وحشية الشرطة، وحث المؤيدين على التخويف والمضايقات، وحاول تقويض الثقة في العملية الانتخابية من خلال لجنة استشارية مزيفة حول نزاهة الناخبين.

وتتابع قائلة إن ترمب يقوم بشكل روتيني بتشويه مؤسسات إنفاذ القانون الفدرالية، ويشتم المهاجرين والبلاد التي يأتون منها، وغالبا ما تتناقض كلماته مع حقيقة أنها يمكن أن تبدو أنها عن جهالة، لكنها في الواقع محسوبة لتفاقم الانقسامات الدينية والاجتماعية والعرقية.

وفي الخارج بدلا من الوقوف في وجه الاستبداد، يبدو أن ترمب يحب المتنمرين، ويسعدهم أن يمثلوه كعلامة تجارية أميركية. وإذا كان على المرء أن يصوغ سيناريو يؤرخ لبعث الفاشية، فإن تخلي القيادة الأميركية الأخلاقي سيجعل من المشهد الأول ذا مصداقية.

ومما يبعث على القلق ـوفق أولبرايت- احتمال أن يقوم ترمب بتأثير الأحداث التي لا يستطيع هو أو أي شخص آخر السيطرة عليها. فسياسته تجاه كوريا الشمالية تتغير يوما بعد يوم، وقد تعود بسرعة إلى قعقعة إذا أثبتت بيونغ يانغ أنها عنيدة قبل أو أثناء المحادثات. وقد يؤدي تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 إلى تفكيك الاتفاقية التي جعلت العالم أكثر أمنًا، ويمكن أن تقوض سمعة أميركا من الجدارة بالثقة في لحظة حرجة.

وترى أولبرايت أن دعم ترمب للتعريفات الحمائية يدعو إلى الانتقام من الشركاء التجاريين الرئيسيين، ويخلق صراعات غير ضرورية ويعرض الملايين من الوظائف المعتمدة على التصدير للخطر. كما أن التطهير الأخير لفريقه للأمن القومي يثير أسئلة جديدة حول جودة المشورة التي سيحصل عليها. 

.. وما العمل؟
وبعد استعراضها لمعالم التاريخ والواقع الحالي، تجيب أولبرايت:

أولا، الدفاع عن الحقيقة. فالصحافة الحرة -على سبيل المثال- ليست عدو الشعب. إنها تحمي الشعب الأميركي. ثانيا، يجب أن نعزز المبدأ القائل إنه لا يوجد أحد، ولا حتى الرئيس فوق القانون. أما ثالثا، فيجب أن يقوم كل منا بدوره لتنشيط العملية الديمقراطية عن طريق تسجيل ناخبين جدد، والاستماع باحترام إلى أولئك الذين نختلف معهم، وطرق الأبواب للمرشحين المفضلين.

وتمضي في شرحها لإجابتها قائلة: يجب علينا أيضا أن نفكر في تعريف العظمة، فهل يمكن لدولة ما أن تستحق هذه التسمية عن طريق مواءمتها مع الطغاة والمستبدين، وتجاهل حقوق الإنسان، والإعلان عن موسم مفتوح على البيئة، وإحباط استخدام الدبلوماسية في وقت تتطلب فيه كل المشاكل الخطيرة التعاون الدولي؟

ومرة ثانية، تجيب عن سؤالها قائلة: بالنسبة لي، العظمة تذهب إلى ما هو أعمق بقليل من كمية الرخام التي نضعها في ردهات الفندق، وما إذا كان لدينا عرض عسكري على الطراز السوفياتي.

إن أميركا في أفضل حالاتها مكان يعمل فيه أناس من خلفيات متعددة معا لحماية الحقوق وإثراء حياة الجميع. هذا هو المثال الذي طالما كنا نطمح لوضعه، والذي يتوق لرؤيته الناس الذين يعانون الجوع في مناطق مختلفة من العالم. ولا ينبغي السماح لأي سياسي -ولا حتى واحد بالمكتب البيضاوي- بتشويه هذا الحلم. (الجزيرة