الغوطه والحرب المعلنة والحرب الخفيه

الغوطه والحرب المعلنه والحرب الخفيه 
               

لقد كتبت في الفترة الخيره  عده مقالات عن المعارك في سوريه سواء في منطقه عفرين او في منطقه الغوطه الشرقيه وعن المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقد لتسويه القضيه السوريه . وكنت في آخر معظم مقالاتي أضع توقعاتي لما سيأتي ثم أقول هذا اذا لم يقم احد الأطراف بقلب الطاوله على بقيه اللاعبين . 
             والآن  وبعد ان أصبحت معركه الغوطه تكاد تلفظ انفاسها الاخيره ،  وبعد ان  توقف هدير الطائرات   وأصوات الانفجارات وازير الرصاص تمهيداً لنقلها الى ساحه أخرى  لم يبقى الا أصوات الباصات التي تقل المقاتلين وعائلاتهم شمالاً والى المجهول  ،  فلا بد من الحديث عن الحرب الأخرى التي كانت تجري من خلف حجب ، اطرافها يحيطون في سوريه أحاطه اللاعبين برقعه الشطرنج يحركون أحجارها ويغيرون أدوارها ويعدون الخطط للهجوم    ولرد هجوم اللاعبين الآخرين مضحين في ذلك بقطع الشطرنج التي تتساقط الواحده تلو الاخرى لحمايه الملك الى ان يسقط الملك الآخر . 
         وفِي لعبتنا هذه تمثل الولايات المتحده الاميركيه ملك القطع السوداء فيما تمثل روسيا ملك القطع البيضاء ويحيط بكل منهما من على اليمين ومن على الشمال القوى الدوليه المسانده لكل منهما فيما يقف الشعب السوري في الصفوف الاولى من الجانبين ليكون اول الساقطين وأكثر الخاسرين . 
          وفي احد مراحل هذه الحرب بدا ان روسيا قد أمسكت جميع المفاتيح العسكريه والسياسيه فقادت المعارك على الارض وتولت اداره شؤون المؤتمرات والمباحثات .  وبدا ان الدور  الاميركي أخذ بالتراجع والاكتفاء بالمشاهدة  وخاصه بعد ان غيرت تركيا تحالفاتها ووقفت الى جوار ألد اعدائها روسيا وايران وقد تم مكافئتها على ذلك بمنطقه جرابلس والباب وما حولهما في عمليه درع الفرات مقابل تقديمها شرقي حلب لقوات النظام وحلفائه على طبق من ذهب . 
       ثم أخذت تسير أمور مباحثات جنيف كما تشتهي روسيا  وأوجدت مسار استانا لتدخل التنظيمات المسلحه لعبه المفاوضات  وطرحت عقد مؤتمر سوتشي ليتم فيه صياغه حلقه الختام . وكان ان عقد في سوتشي مؤتمر الحلفاء الثلاته الجدد وهم بوتين وأردوغان وخاتمي وسبق ذلك بيومان ان اجتمع بوتين مع بشار الأسد في نفس المدينه لكي يطلعه على نص الختام . وفِي اجتماع الحلفاء الثلاثه  تم الاتفاق على ان جنيف الثامن سيقتصر على بحث  الانتخابات التشريعيه والدستور  فقط ، وترك موضوع مصير الأسد لمؤتمر سوتشي . وكان هذا يتطلب عقد مؤتمر لقوى المعارضه السوريه في الرياض لتشكيل وفدها لجنيف  وبحضور منصتي القاهره وموسكو . وقد ادرك المتشددون من المعارضه هدف هذا المؤتمر  فنسحب من انسحب وستقال من استقال وصدرت البيانات التي ترفض هذا المؤتمر وقراراته .  
           لكن هنا تغير الحال بغير حال وعادت اميركا ترامب لتلعب دوراً جديداً على رقعه شطرنج سوريه وبقدره قادر وبعد تشكيل  وفد المعارضه  لبحث تنائيه مباحثات جنيف وهما الانتخابات التشريعيه والدستور خرج هذ الوفد بشروط جديده وهي رفض أي دور لبشار الأسد وزمرته في المرحله الانتقاليه مما عنى لروسيا وللنظام انقلاب على ما تم الاتفاق عليه وهذا فقد كان مآل مؤتمر جنيف الثامن وملحقه المؤتمر التاسع الذي عقد في فينا الفشل .
       لم يتوقف التغير بالموقف الاميركي على افشال الانفراد الروسي بالملف السوري بل زاد من تدخله بهذا الحل وزاد من عدد قواته فيها وزاد من دعمه لقوات سوريه الديمقراطيه بعد ان ساعدها على السيطره على أمكن تواجد داعش في الحسكه ودير الزُّور وأصبحت هذه القوات تسيطر على غالبيه  المناطق الشماليه من سوريه  على امتداد الحدود مع تركيا مما أثار قلقها من قيام دوله كرديه هناك او منطقه حكم ذاتي . 
       لذا وعند انعقاد مؤتمر سوتشي فقد تغيب عنه معظم  أعضاء وفد المعارضه المنبثق عن مؤتمر الرياض بتأثيرات اميركيه . كما تغيب عن هذا المؤتمر منظمات المعارضه المقيمه في تركيا لمحاولتها حصولها على تنازلات روسيه  تسمح لها بحريه الحركه للتصدي لانتشار قوات سوريه الديمقراطيه وذلك بالرغم من ان ممثلي المعارضه كانوا قد ذهبوا الى موسكو وتم وعدهم بجائزه المليون في حال حضورهم مؤتمر سوتشي .   وبهذا فقد نجحت اميركا ومن معها في افشال مؤتمر سوتشي .
           لم تغفر روسيا لتنظيمات المعارضه ذلك وكان هجوم قوات النظام بالدعم الروسي على الغوطه الشرقيه فسارعت اميركا لدعوه مجلس الامن والذي اصدر قراراً بوقف إطلاق النار في  سوريه لمده شهر وبموافقه روسيه وكان قراراً دون انياب .   وسرعان ما أعلنت روسيا ان الغوطه الشرقيه غير مشمولة به واستمر الهجوم عليها  .  وبنفس الوقت أعلنت تركيا عدم شمول عفرين بهذا القرار  واستمرارها في عمليه غصن الزيتون وسط دعم روسي لهذه العمليه مما يعني ان هناك اتفاق وتنسيق بينهما عفرين مقابل الغوطه الشرقيه .
            على اثر ذلك صدرت تهديدات امريكيه بتوجيه ضربات لقوات النظام اذا لم توقف إطلاق النار فوراً واعلنت انها ستدعم قوي المعارضه وتزودها بالسلاح وانها ستدعو مجلس الامن لاجتماع جديد لمناقشه هذا الموضوع وردت روسيا بالتهديد بالرد على أي هجوم تتعرض له قواتها او حلفائها بسوريه مع استعراض لمقدراتها القتاليه الحديثه ونصبت منظومات صور يخ وطائرات حديثه في سوريه . 
       وفِي الوقت الذي تعلقت فيه أنظار تنظيمات المعارضه الى السماء منتظره مشاهده الصواريخ   والطائرات الاميركيه  وهي تدك معاقل النظام ومواقع القوات الروسيه بأعتباره حبل خلاص لها حتى لو أدى الى حرب نوويه فوق الارض السوريه نقلت اميركا حربها مع روسيا الى المجال الديبلوماسي   على خلفيه محاوله اغتيال الجاسوس الروسي المقيم في لندن وابنته بسلاح غازي ثم اتهام روسيا بالقيام بهذه العمليه  وما تبع ذلك من عمليات طرد دبلوماسيين متبادلة مابين اميركا والدول الغربيه وما بين روسيا في أعاده لأجواء الحرب البارده ،  واصلت قوات النظام والقوات الروسيه هجومها على تنظيمات المعارضه التي كانت قد قالت انها لن تستسلم وستقاتل للنهايه لنكتشف ان هذه التنظيمات وبنفس الوقت كانت تبحث مع روسيا عن طريق الخلاص بشكل منفرد  ودون التشاور مع الآخرين  مما ادى الى تبادل التهم بألخيانه بينهم  .وكان اول الخارجين من الغوطه تنظيم احرار الشام ومعه عناصر النصره الى أدلب ليكون عوناً للنصره فيها . ثم لحق بهما فيلق الرحمن التركي التبعيه الذي ذهب الى الى عفرين حيث تتواجد قواته الرئيسيه  ليكون عوناً لتركيا في عمليه غصن الزيتون  .  وقد خرج معهم عائلاتهم   وأنصارهم فيما فضلت الاغلبيه العظمى من سكان الغوطه الذهاب الى مناطق سيطرة النظام . ولم يبقى في الغوطه الا جيش الاسلام السعودي التبعيه  الذي تحصن في دوما في حمايه المدنيين الموقوفين في سجونه من سكان الغوطه المعارضين له وبعض جنود النظام كدروع بشريه ووسيله ضغط في المباحثات مع القوات الروسيه وقوات النظام  . وكان معروفاً عن هذا التنظيم بقسوته على مدنيي الغوطه الذين كانوا يتظاهرون مطالبين بوقف القتال في مناطقهم وكان يواجه مظاهراتهم بالرصاص الحي  او بوضعهم في سجونه ، وكما سبق له وان وضع المعتقلين لديه في أقفاص حديدية حول مقاره ليحميها من قصف قوات النظام في قت سابق  . ولكن اصرار النظام وروسيا على خروجه من الغوطه  وخروج مظاهرات من سكان المنطقه تطالبه بذلك وقيام لجان محليه بالتفاوض مع الروس على الاستسلام جعله يسلم أمره ويدخل مفاوضات للخروج ولكن كان الامر الى أين الخروج . هو أراد الذهاب الى درعا حيث له تواجد كبير هناك ، وقد رفض الجميع ذلك حتى لا يكون له تأثير  على حاله التهدئه ما بين النظام والتنظيمات في درعا ومدى تأثير ذلك على المنطقه   .  وكان البديل أدلب ولكن هناك توجد النصره وما بينهما من خلاف وقتال . وكان البديل الآخر عفرين وهنالك فيلق الرحمن الذي يريد ان يصفي حسابه معه .  ثم توصلت روسيا الى اتفاق مع تركيا  لذهابهم الى منطقه جرابلس على الحدود السوريه التركيه ولكن عند وصول الدفعه الاولى منهم  الى تلك المنطقه تصدت لهم قوات درع الفرات السوريه التركيه  ومنعتهم من دخول جرابلس الى ان قامت مظاهرات في مدينه الباب التي أعلنت استعدادها لاستقبالهم حيث تم ذلك .الا ان خلافات وقعت بين قيادات هذا التنظيم أوقفت عمليه اجلاء المقاتلين وعائلاتهم منها حيث ان البعض  وافق على الخروج والبعض الآخر  رفض  ذلك وأصر على الصمود والقتال ، فيما طرف ثالث وافق على تسليم المدينه للجيش الروسي ،والاداره المدنيه للنظام وان يتم رفع علم النظام عليها دون دخول قواته اليها  ، مع بقاء من يرغب من أعضاء التنظيم ومغادره من يرغب . فيما كان الموقف الروسي والنظام انه لا بديل لجيش الاسلام من المغادرة  . 
       وقبل ان تطوى صفحه مدينه دوما فتحت روسيا والنظام صفحه القلمون وخيرت التنظيمات فيه ما بين تسليم الاسلحه ودخول قوات النظام وما بين ذهابهم الى أي منطقه يختارونها او  المواجهه العسكريه .  والى ان تتضح الصوره في القلمون  والصفقه التي ستعقد لإنجاحها تبقى العيون شاخصة الى مواقع أخرى من سوريه والصفقات التي سوف تعقد عليها  او المواجهات العسكريه التي سوف تقع فيها  في ظل ما أعلن عنه ترامب عن نيته بسحب القوات الاميركيه من سوريه وترك الأطراف التي بها لتقرر مصيرها وما يتبع ذلك من تأثير عليها وهل ان ذلك يعني تخليه عن أكراد سوريه لمصلحه تركيا  أم انه يريد من يدفع ثمن بقاء قواته فيها ؟  . وفي موسكو تعقد قمه الثلاثه للاحتفال المبكر بالنصر والاتفاق على توزيع مناطق النفوذ في ظل ما يقولون انه سوريه موحده وهي اكثر انقساماً . الأيام القادمه  ستحمل بعض المتغيرات  و ستحمل معها المزيد من الصراع والقتال المباشر وبالوكالة .