مسيرة العودة
بلال العبويني
ليس غريبا على الاحتلال الإسرائيلي وبعض الساسة الفلسطينيين توجيه التهم شمالا ويمينا من أجل إجهاض أي حراك فلسطيني ذي طابع وطني من مثل مسيرة العودة الكبرى المقرر أن تنطلق الجمعة المقبلة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من تلك التهم، أن حماس دعت إلى المسيرة من أجل الخروج من مأزقها السياسي والإداري في قطاع غزة، وأنها تتحالف في ذلك مع تيار تابع للقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان من اجل إحراج السلطة الفلسطينية وممارسة مزيد من الضغط عليها.
هذه التهم، لا تقدم ولا تؤخر، وفي تاريخ الثورة الفلسطينية لم تتوقف مثل تلك التهم في اطار التنافس الفصائلي الذي للأسف ليس شريفا ولا يصب في صالح القضية الفلسطينية التي تواجه اليوم أعقد التحديات بما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، وبما يحضر له من إعلان لصفقة تسوية جديدة يضيع معها الحق الفلسطيني بالعودة والتعويض ومشروعه النضالي السياسي بالتحرير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
المسيرة دعت إليها الهيئة الوطنية للاجئين، ودعمتها حركة حماس وغيرها من بعض مكونات الشعب الفلسطيني، فثمة من لا يعجبهم أي حراك من هذا النوع لأنهم غير قادرين على دعمه أو المشاركة فيه باعتبار ما هم عليه من التزامات متعلقة بالتنسيق الأمني وخلافه مع الاحتلال الإسرائيلي، وباعتبار أن نقطة انطلاقه غزة التي بات البعض ينظر إليها على أنها جزء غريب عن النسيج والجغرافيا الفلسطينية انطلاقا من الخصومة الفصائلية التي ساهمت فيما هي عليه القضية الفلسطينية اليوم من تحديات عظيمة.
إن مسيرة العودة، وأي حراك من هذا القبيل يشكل واحدة من أكثر وسائل الضغط لإجهاض صفقة القرن، وإجهاض أي تحرك يهدف لإنهاء حق الفلسطينيين في العودة، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإشغاله على الحدود الفاصلة بين القطاع وبقية الأراضي المحتلة.
هذا الحراك، سيكون ذا أثر عظيم لو تزامن مع حراك مماثل في مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وغيرهم من الفلسطينيين، فإنه عندئذ سيضع الاحتلال في مأزق كبير يصعب الخروج منه إذا ما استمر لأيام أو تكرر غير مرة.
الاحتلال الإسرائيلي، يحسب الكثير من الحساب لمسيرة العودة الكبرى، وقد أعلن اتخاذه كافة الاحتياطات والاستعدادات لمنع إقامتها، وأقصى ما يخشاه أن يتمكن فلسطينيو غزة من اجتياز الحدود.
هذا الخوف سبق وأن حبس أنفاس الاحتلال الإسرائيلي إبان مسيرات العودة التي انطلقت في كل من الأردن ولبنان وسوريا ومصر والأراضي الفلسطينية، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الهاجس الذي تشكله مسيرات العودة للاحتلال الذي يسعى جاهدا لإلغاء حق العودة بل ولإلغاء وكالة الأونروا عن الوجود لكي لا تظل شاهدا على هذا الحق الفلسطيني.
بالطبع، لنا أن نتوقع أن تواجه آلة الحرب الإسرائيلية المشاركين بالمسيرة، لكن ما هو مؤكد انه ليس بمقدورها أن تنهي الشعب الفلسطيني عن الوجود، وليس بمقدورها أن تأتي على حق الفلسطينيين بالعودة ما دام مثل هذه الحركات ظلت قائمة ومستمرة.
العودة للفلسطينيين حق كفلته الأمم المتحدة في قرارها 194، وهو ما يعترف ويقر به القانون الدولي ومختلف الهيئات الدولية، وبالتالي كان على السلطة الفلسطينية وبعض الفلسطينيين المعطلين لمسيرة العودة الكبرى أن يدعموها دوليا ويروجون لها لتكون أداة ضغط لتعطيل المشاريع التسووية التي تستهدف القضية الفلسطينية إن كانت السلطة والبعض الفلسطيني لديهم النية الصادقة لمقاومة صفقة القرن وإعلان ترامب القدس عاصمة للاحتلال.
مسيرة العودة الكبرى، فعل وطني مقاوم يجب دعمه والعمل على تكريسه واستمراره، وهذا أيضا واجب عربي، ولا يتوقف على الفلسطينيين فحسب. //