خيانة الحركة النسائية لقضايا المرأة


 

 

 

وليد حسني

 

في الثامن من آذار يبدو الكون انثويا تماما، هنا وهناك تطل النساء بكل كبرياء الأنثى وتقول للكون صباح الخير..

 

وفي الثامن من آذار ثمة أشياء كثيرة تتدحرج في كل الإتجاهات، هنا امرأة تبني بلدأ، وهنا امرأة تنشىء بيتا، وهناك امرأة تبني أطفالا، وهناك امرأة تهيىء يومها لتصير اما، وهناك امرأة تبذر الأرض وتسقي حقلها، وهنا امرأة تقاتل في معركة الحياة، وهناك امرأة تخلق مدرستها الخاصة بها، وفي الجانب القريب ثمة امراة ثكلى تدفن آخر ما تبقى من احلامها بعد مقتل وليدها، وهنا امرأة تقود دولة، وهناك امرأة تحمل بندقيتها وتقاتل، وهنا امرأة تغني، وأخرى ترقص، وثالثة تكتب، ورابعة تهجىء حروف الله الأولى بقدسية الأم الطاهرة، وخامسة تنتظر حبيبها، وسادسة تهيىء حليبها لطفلها، وسابعة تقود الأنوثة كلها لجنة الكون المبتهج بها..

 

هل ثمة في كل هذا الخلق المتكامل أكمل من المرأة؟، هل ثمة كون يمكن له أن ينبني بهذا النسق التراتبي المبدع دون ان تكون المرأة فيه مدماكه الأول، وروحه الأولى، وبداياته الصاخبة، ونهاياته الناعسة.

 

منذ الأزل صنع الله المرأة لتجسيد الثنائية التي يقوم عليها كل هذا النسق الكوني المكتمل، فالله نفسه أكمل الكون بالمرأة، ولربما اكمل الكون بآدم الذكر، هناك في مكان ما داخل أسطورة الخلق أنبت الله المرأة ندا لادم الذكر، قبل أن ينزلق العقل البشري القاصر ليجعل من الأنثى خلقا ثانيا متواريا في ظل الذكورية المريضة تحت ستائر متناقضة يتنازعها الديني تارة، والعرف الإجتماعي تارة ثانية، والسلطة الذكورية التي كرسها الدين قبل ان تكرسها رغبات الذكورية، وتفوق البيولوجيا في مختبرات الشد والجذب ما بين الأنوثة والذكورة..

 

لست هنا بصدد استرجاع معاني الثامن من آذار وما يعنيه يوم المرأة العالمي، بالقدر الذي يعنيني فيه التاكيد على أن المرأة الأردنية لا تزال بلا سلطة، وبلا حرية، وبلا حقوق مدنية كافية، ولا تزال تحكمها قوانين متخلفة تجعلها في معظمها مجرد ضلع قاصر، وقارورة قابلة للكسر، ومصدر الشرور والآثام، فلم تنل حقها كمواطنة ولم تتساو مع الذكور، وهذا ما يجعلنا دوما ننادي بما نؤمن به يقينا بأن المرأة الأردنية لا تزال تحضع وبسلطة بعض القوانين إلى منطق الذكورية المهيمنة.

 

في الثامن من آذار من كل عام أضحك كثيرا على بعض الإحتفاليات التي تسيء للمراة اكثر مما يراد منها تكريمها، إننا نغرق في العبث المجاني ونتلهى بالمرأة في يومها العالمي، وكأن احتفالنا هذا ما هو إلا تكريس لهيمنة الذكر، هنا فقط يتم تكريس المرأة كسلعة قابلة للعرض والطلب وتوظيفها في احتفاليات كاذبة لن تنتج غير المزيد من إهانة المرأة وتحقيرها.

 

الثامن من آذار يوم مهم إذا ما تنازل السياسي عن تخوفاته وجبنه الذكوري ومنح المرأة كامل حقوقها، وعلى المرأة مواصلة النضال والقتال للحصول على كامل حقوقها، وهذه مهمة التنظيمات النسائية التي ركنت منذ سنوات مضت إلى غرف النوم فقط، حتى أن الحركة النسائية الأردنية هذا الأوان لا تكاد تظهر أو تتمظهر كقوة ضاغطة في المجتمع.

 

إن الحركة النسائية الأردنية هذا الأوان أضعف من أن يشار إليها، وبالمقارنة مع ما كانت عليه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ومع ما هي عليه الآن فإن النتيجة ستكون اكثر من مأساوية..

 

ونحن في نهايات الخمس الأول من القرن الحادي والعشرين علينا التأكيد على ان المرأة الأردنية أصبحت منهزمة تماما، وخارج كل الحسابات، ولم يعد لها من وجود سياسي واجتماعي ينتظم في إطار تنظيمي يحمل همومها ويدفعها للأمام، وما نراه من مسميات لمنتديات وتجمعات نسائية ما هي إلا مجرد مقاه واستراحات نسائية تغرق في تلقي التمويلات الأجنبية، وتغرق اكثر في الوجاهات الإجتماعية،، تلك المقاهي خانت قضية المرأة الأردنية تماما، وقلبت ظهر المجن لمجتمعها، وحشرت المراة في غرف النوم وفي المطبخ، وفي احسن الأحوال في وظيفة لمدة ثماني ساعات ثم تعود المرأة العاملة بعدها لتعمل خادمة عند ذكر مهيمن بوظيفة زوج..//