"غزل الكادحين" سرقوها في عمان وقتلوا صاحبها في بيروت

 

وليد حسني

 

قبيل أيام قليلة نشر صديقي الصدوق حامد الحاج حسن مقاطع من قصيدة الشاعر اللبناني الجنوبي الشهيد موسى شعيب"غزل الكادحين" في صفحته على الفيس بوك، وتذكرت لحظتها تفاصيل كثيرة داهمتني عن علاقتنا سويا بموسى شعيب، وكيف بنينا سويا مداميك تلك العلاقة منذ سنة 1982 وحتى الآن.

 

ولن اتطرق هنا للسيرة الذاتية للشاعر الشهيد موسى شعيب صاحب ملحمة"هيفاء تنتظر الباص على مفرق تل الزعتر" وقصيدته التنبؤية" أسرج خيولك.." وغيرها كثيرا، لكنني يكفيني القول أنني عندما هاتفت حامد عن الذي دعاه يستذكر "غزل الكادحين" هذا الأوان، قال لي جملة في غاية الإحساس" وليد.. أنام وديوانه فوق رأسي".

 

أما قصيدة"غزل الكادحين التي يقول في مطالعها:

 

من ذيول السحب في..... الإصـبـاح بـيضـاء نقـيَّهْ

 

فلها قصة في غاية الغرابة ابتدأت عندما نشرها صاحبها موسى شعيب في مجلة الآداب البيروتية وشارك بها في مسابقة الشعر في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية وفازت بالمركز الأول سنة 1965.

 

والقصة حتى الآن أكثر من عادية لكن غير العادي فيها هو أن يقوم طالب في كلية الآداب في الجامعة الأردنية وكان صديقا لي بقراءة هذه القصيدة في مجلة الآداب البيروتية سنة 1982 وينتحلها لنفسه ويشارك بها في مسابقة الشعر في الجامعة الأردنية وتفوز القصيدة نفسها بالجائزة الأولى ويتم نشرها في نشرة كانت تصدر عن الجامعة الأردنية في ذلك الوقت تسمى"أنباء الجامعة".

 

وتنظم رئاسة الجامعة حفلا كبيرا شارك فيه رئيس الجامعة وأساتدة كبار "د. محمود السمرة، ود. ناصر الدين الأسد.. الخ" ومئات الطلبة، فقد كان جمهور الشعر في ذلك الوقت جمهورا كبيرا وواسعا، وحصل الطالب على الجائزة الأولى عن ذات القصيدة"غزل الكادحين" وبكل كبرياء وشمم صعد الى المنصة وقرأ القصيدة باعتبارها من أبنائه الصلحاء.

 

ومضت ايام معدودة فقط حتى تطوعت طالبة في كلية الطب في الجامعة لتكشف عن تلك السرقة الكبرى، ولتدخل الجامعة في حالة حرج لم يتوقعها احد، وصدرت"أنباء الجامعة" باعتذار واسع، واتخذت رئاسة الجامعة قرارا عقابيا بحق ذلك الطالب الذي كان على ابواب التخرج من كلية الآداب "قسم اللغة العربية".. ومضت القصة بكاملها الى ملفات النسيان، إلا أن كل وثائقها لا تزال بحوزتي وفي أرشيفي الخاص.

 

بعد ذلك بفترة ــ لا أذكرها تماما ــ اقامت السفارة العراقية في عمان معرضا للكتاب العراقي وذهبت انا وصديقي حامد سويا اليه واشترى كل منا ما يحتاجه لكننا حرصنا على ان يحصل كل واحد منا على نسخته من الأعمال الكاملة للشاعر الشهيد موسى شعيب وهي الطبعة الأولى والوحيدة التي صدرت سنة 1981 عن وزارة الثقافة والإعلام  العراقية" دار الرشيد ".. ولا تزال النسختان بحوزتينا..

 

اغتيل موسى شعيب في بيروت بالرصاص السوري الحي والمباشر سنة 1980 ولم يتم الثامنة والثلاثين من عمره.

 

والشاعر الشهيد موسى شعيب يستحق هذا الأوان الإلتفات إليه اكثر من ذي قبل، وللحقيقة فقد عشقت هذا الشاعر مبكرا جدا بعد أن اكتشفناه مبكرا جدا أيضا، ويكفيك التحليق في مطولته الشعرية "هيفاء تنتظر الباص على مفرق تل الزعتر" التي كتبها عن حصار ومجزرة مخيم تل الزعتر سنة 1976، وهي التي كانت وراء اغتياله من قبل سوريا بعد اقل من اربع سنوات على كتابته ونشره لها.

 

ولعل من عيون ما يمكن أن تقرأه له قصيدته الرائعة التي يقول في مطالعها:

 

أسرج خيولك إن الروم تقترب..    ووجه امك قتال به العتب

 

أسرج خيولك كسرى عاد ثانية .. وشهوة الملك في عينيه تلتهب

 

وبالنتيجة فإن هذه المقالة من وحي ذاكرة الصديق حامد الحاج حسن الذي يمتلك ذاكرة لا أظن احدا يمتلكها، وهي مدينة له أيضا لإستذكار شاعر ما زلنا نحبه سويا منذ 36 سنة مضت..//