السلطية فكاكين النشب بيحلوها
د. عصام الغزاوي
أحن للسلط مرتع الطفولة، وأحن لأزقتها وأدراجها، لجبالها وأوديتها، لرائحة طوابينها ودخان الهيشة في مضافاتها، لينابيعها الغزيرة وبساتينها الغناء، أحن لشربة ماء من الجادور وعين حزير وعين السلط، كان لعين السلط مدخل عام للدواب ( عين الدواب ) ومدخلان منفصلان، كيف لا وهي مدينة الغيرة والإباء، مدخل عين الزلام للرجال يستقون، ومدخل عين النسوان للنساء، يستقين ويسقين المنتظرين في العقد الكبير، يغتسلن ويغسلن، تلك العين كانت غسالة المدينة، إليها يأتي الغسيل ومنها يخرج على رؤوس النساء لينشر في البيوت، أحن لتينها وعنبها ورمانها، لطعم القطين والزبيب، لرائحة الزعتر والقيصوم في جبالها، لسمنها البلقاوي وعسلها ولبنها، أحن لرؤية المزارعين ينقلون العنب والتين والرمان على دوابهم فجراً إلى الحسبة، لرؤية قطعان الماشية وهي تتجه للرعي في الجبال فجراً، أحن لثانوية السلط ففيها عبق وصفي وحابس وهزاع، أحن لسماع الأذان من المسجد الكبير ولمشاركة أقراني بقرع أجراس كنائسها، أحن لطيبة أهلها وكرمهم، في السلط إنصهرت الأصول والمنابت والمعتقدات الكل سلطية وكلهم ابناء عم، أحن لمنزل جدي في درج الأدهم ومنجرته الصغيرة، ولمحل خالي في شارع الحمام، ولبيت خالتي في الجدعة، أحن إلى شقاوة الطفولة عندما كنّا نتسابق لإعادة سدورة الحلويات النحاسية الفارغة بعد إنتهاء مناسبات الأفراح إلى محل الحاج سلطي أو الحنبلي ليكافئنا بقطعة هريسة أو بعض العوامة ، أحن لكنافة الجنيني والحنبلي المصنوعة بالسمن البلدي البلقاوي على دُقة الفحم، وأقراص جوز الهند وهريسة وعوامة الحاج سلطي، أحن لرائحة خبز القمح البلدي في فرن أبو دنون على الحطب، ولمطعم أبو خميس وقطايف أبو عفيف، أحن لسينما نبيل ولشجرة الكينا الشامخة شموخ أهل السلط أمام مقهى المغربي وحلقات لعب المنقلة تحت ظلها، أحن للجدعة والعيزرية والخندق والميدان ووادي الأكراد والسلالم، أحن لرؤية الخلقة والمذرقة وعصبة الرأس ووجوه الجدات المدقدقات، هذه صورة السلط الحبيبة كما أذكرها في طفولتي، أنا لست بقلق على السلط لأنها تزخر برجال حكماء فكاكين النشب، يطفئون نار الفتنة ولا يسمحون بإشتعالها ولا يقبلون ان تُمس ثوابت الوطن، الله يحفظ السلط واهلها الطيبين//.