.سلطة الزعران
.سلطة الزعران
بلال العبويني
لا يعتبر العنوان تهويلا أو مبالغة، بل هي الحقيقة وثمة شواهد يومية تثبت ذلك، من نصب واحتيال وسطو وسرقة وخاوات ومتاجرة وترويج للممنوعات، وجرائم وإيذاء الغير.
في الواقع للزعران أساليب مختلفة، حيث يتحرك كل منهم في مجال إجرامي محدد، والكثير من هؤلاء معروفون لدى الأجهزة الأمنية، غير أن هذه المعرفة لم تساهم في الحد من انتشار ظاهرة الزعرنة التي يعاني منها كل المجتمع.
لعل الأخطر اليوم، ما نشاهده من عنف يومي في الشوارع، حتى يخال للمرء أن أحدا لا يحتمل آخر، وأن "القنوة" أو السلاح الأبيض أو حتى الناري جاهز للاستخدام في أية لحظة وعلى أتفه الأسباب.
لسنا في وارد الحديث تفصيلا في الأسباب، فهذه مهمة المتخصصين في علم الجريمة والمجتمع، بيد أن ما هو ظاهر للعيان ويمكن الحديث فيه، أن الزعران لم يعودوا يحسبون الحساب للقانون، بل إن لديهم من الأساليب ما يجعلهم يتملّصون من أية مشكلة وبسهولة.
الأزعر، ليست لديه مشكلة مع السجن، بل هو بالنسبة للكثيرين منهم ليس إلا نزهة أو "وقت مستقطع" ما يلبثون أن يعودوا إلى حياتهم الجرمية بعد أن يغادروا السجن، في حين أن بقية المواطنين لديهم مشكلة كبيرة مع السجن الذي سيعتبر نقطة سوداء في تاريخهم إن زُج بهم فيه نتيجة مشكلة مع أزعر.
بالتالي، كل ما على الأزعر فعله أن يؤذي نفسه في أي من أنحاء جسمه ويذهب إلى أقرب مركز صحي للحصول على تقرير طبي يفيد بإصابته، وهذه الإصابة يتهم خصمه بأنه السبب فيها، فما يكون من الخصم إلا التنازل عن شكواه حتى لا يُزجّ به في السجن، فتنتهي القصة بتنازل الطرفين عن الشكوى ويضيع عند ذلك حق الضحية وبالقانون.
ثمة قصور في القانون يستغله الزعران ببساطة، بل إن المشكلة أيضا تكمن في أن العقوبات بالنسبة للمجرمين ومكرري حوادث الزعرنة ليست رادعة، بل كما قلنا سابقا السجن، ذو المدة القصيرة، ليس إلا نزهة بالنسبة إليهم وربما يكون باب رزق آخر عندما ينقلون أساليب الاحتيال والخاوات إلى داخل مهاجع السجون.
ما حدث على دوار المدينة الرياضية قبل يومين، على الرغم من أنه أمر فظيع ومحزن ومخيف، إلا أنه ليس بدعة، بل ظاهرة أصبحت متجذرة في مجتمعنا، حتى بات الشخص يخشى أن يقع تحت الهراوات في الشارع العام وعلى مرأى من زوجته وأطفاله، فعندها سيكون الأمر جسيما وجرحا غائرا في نفوس الأطفال الذين يرون والدهم تحت ضربات الهراوات.
قلنا، الأجهزة الأمنية لديها "داتا" عن المجرمين على اختلاف أساليبهم الجرمية، لكن للأسف لم يستفد المجتمع من ذلك باتجاه إحداث الردع أو الخوف اللازم الشعور به تجاه رجل الأمن، وهو ما يؤكد على وجود خلل في المنظومة الأمنية التي يكاد المرء مع مشاهدته لمثل تلك الحوادث الإجرامية في الشارع أن يقول "ليس هناك هيبة للأمن"، وهي الهيبة التي يجب ان يستمدها رجل الأمن أساسا من التشريعات القانونية التي يجب أن تكون رادعة بما يكفي، هذا من جانب، ومن آخر يستمدها من تنفيذه للواجبات المناطة به على أكمل وجه ودون زيادة تؤدي إلى التجبر على الناس واستغلال المنصب، ودون تهاون يؤدي إلى فقدان الهيبة وإلى ما نعانيه اليوم من سلطة الزعران.
الأمر جلل، ويحتاج إلى مراجعة جادة قبل أن "يفوت الفاس بالراس" وتصبح المعالجة عندئذ أكثر صعوبة.//