لا نشعر بالعطش، من وراء ذلك؟
لا نشعر بالعطش، من وراء ذلك؟
د. محمد الفرجات
في أفضل الظروف يسقط على الأردن عشرة مليارات متر مكعب سنويا من الأمطار والثلوج، وعندما يكون هنالك جفاف نتحدث تقريبا عن نصف الرقم، والسنوات المعتدلة يتراوح الرقم حول سبعة مليارات متر مكعب سنويا تقريبا.
أمام حوالي 90% قيمة التبخر الفعلي من الهواطل، فيتبقى ما مقداره 700-800 مليون متر مكعب تذهب رشحا في التربة وتغلغلا يغذي الخزين الجوفي، والباقي يرفد السدود.
تنمو الحاجة السنوية على المياه في المملكة لتلبي الطلب لغايات الشرب والري والصناعة والخدمات مع النمو السكاني، وآخر علمي بهذا الرقم كمجموع بأنه يتجاوز مليارا ومئتين مليون متر مكعب سنويا (الرقم غير دقيق وهو مرشح للزيادة).
من الواضح أن هنالك عجزا سنويا يتجاوز الربع مليار متر مكعب سنويا، يؤخذ من آبار المياه الجوفية، ويعتبر الضخ منها في هذه الحالة إستنزافا، حيث أن ما يؤخذ لا يتجدد، وهذا بدوره يؤدي لهبوط مستويات عمق الخزين الجوفي إضافة لتدني النوعية بزيادة الملوحة.
سياسيا فمع دخول الأشقاء السوريين للمملكة في الربيع العربي، ومع إحتلال موارد المياه المغذية لنهر الأردن عام 1967، إزدادت الضغوط والتحديات في ملف المياه، خاصة أمام غياب الموارد السطحية كالأنهار وبحيرات الماء العذب.
الظروف الإقتصادية تحد من فرص تنمية الموارد المائية، وهنالك تحديات كمشكلة الفاقد الفني بسبب قدم شبكات المياه، وهنالك إعتداءات سواء بالسرقات من أنابيب المياه قبل العداد، أو بإستنزاف الموارد المائية الجوفية بالحفر غير القانوني والمخالف.
قضية تلوث مصادر مياه الشرب أمام غياب شبكات الصرف الصحي، والإستنزاف الذي يؤدي للتملح، والتخلص من المياه الصناعية العادمة بشكل غير قانوني في مجاري الأودية والسيول، ومكاب النفايات، كلها تؤدي لزيادة الضغط والتحديات في إدارة المياه في وطننا بين الطلب والمتوفر.
كما ترون فالتحديات كبيرة جدا، والنمو السكاني الطبيعي والناتج بسبب الأوضاع السياسية المحيطة يزيد الطلب، واليوم دخلنا الشهر الأول من 2018 وإقترب فصل الشتاء من النهاية، ولم يصل سدودنا الفارغة سوى 83 مليون متر مكعب من سعة تخزينية 320 مليون متر مكعب، وفي هكذا تاريخ تعودنا أن تكون شبه إمتلأت.
التغير المناخي يسود المشهد إذن، والشح المائي يزداد والطلب يزداد.
ولكن الأمور ليست بهذا السوء، فوزارة المياه أعتبرها وزارة ذكية وحكيمة، فالإستفادة من المياه العادمة المعالجة في الأردن لغايات الري تعتبر مثالا يحتذى، والحصاد المائي هو الأفضل في الأردن، والمشاريع المائية كناقل الديسة-عمان الذي أنجز بمعجزة يسقي عمان ومؤملا منه اليوم أن يرفد الناقل الوطني بين المحافظات.
ناقل البحرين (خليج العقبة-البحر الميت) بطريقه نحو البدء، يؤمل منه إنقاذ البحر الميت من الإنحسار وحل المشاكل البيئية الناتجة عن إنحساره كالحفر الهابطة والإنهيارات على شواطئه مما يهدد السياحة والصناعات القائمة عليه، كما ويؤمل من الناقل توفير مياه محلاة بالتناضح العكسي، وتوفير الطاقة الكهربائية عبر توربينات الأنابيب الناقلة، وتنمية وادي عربة زراعيا وسياحيا وصناعيا وإجتماعيا غاية مهمة للمملكة إقتصاديا وسياسيا.
عملية إدارة الفاقد والرقابة وتطبيق القانون على المخالفين، وحماية الموارد من التلوث بتطبيق خرائط حساسية الخزانات الجوفية ضد التلوث لتوجيه إستعمالات الأراضي، وإستدامة الآبار، وإدارة نوعية المياه ورقابتها... والتوعية
القطاعات إذن أمام هذه التحديات والشح بخير، فالكل يشرب، والصناعات والزراعة والسياحة والخدمات تأخذ حاجتها دون شعور بالمشكلة.
شكرا لمعالي وزير المياه حازم الناصر وفريقه في وزارة المياه والري، جهودكم يشهد بها ولها عالميا، وأتشرف أنني تحدثت عنها بفخر بقدرة وطننا على التعايش مع الشح المائي في أكثر من محفل.
حماك الله يا أردن، فبالرغم من أنك محاط بحدود ملتهبة فأنت آمن بأمر الله تعالى، وبالرغم من شح الموارد فخبزك دائم، وبالرغم عن شح المياه فلم يعطش فيك أحد،،، اللهم أدم علينا وطننا وقيادته واحفظ شعبنا من كل سوء.//