لماذا اعتذر الاخوان عن تشكيل الحكومة بعد احداث 1957

لماذا اعتذر الاخوان عن تشكيل الحكومة بعد احداث 1957

 زياد أبو غنيمة  

القوميون واليساريون يتـَّـهمون الإخوان بالسباحة

في بحر ٍ من الدلال ، والعكس هو الصحيح

أعطى استثناء جماعة الإخوان المسلمين من قرار حكومة الرئيس إبراهيم هاشم الذي اتخذته في أول اجتماع لها بعد تشكيلها في 24 / نيسان / 1957 م القاضي بحل جميع الأحزاب السياسية الفرصة للأحزاب اليسارية والقومية لتنفث أحقادها ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين التي كان وقوفها في مواجهة القوميين واليساريين دفاعا عن وجودها مثلما كانت مواجهة الملك النظام لها دفاعا عن وجوده ، فطفقت ، ولا تزال ، تجترُّ على مدى عقود طويلة إسطوانتها المكرورة باتهام الإخوان بالعمالة للنظام ، ولا يكتفي الرفاق القوميون واليساريون باتهام الإخوان بالعمالة للنظام بل ذهبوا إلى اتهامهم بأن النظام كافأهم على ذلك فأغرقهم في بحر من الدلال ومكـَّـنهم من الإستئثار بالمناصب والمراكز في الدولة.

 

لماذا اعتذر الاخوان عن تشكيل الحكومة بعد احداث 1957

من خلال معايشتي لتلك الفترة أؤكــِّـد أن الإخوان بوقوفهم إلى جانب النظام في مواجهته للأحزاب اليسارية والقومية كانوا يدافعون عن أنفسهم تماما ً مثلما كان النظامُ يُدافع عن نفسه ، وأؤكــِّـد أن الإخوان لم يبتزُّوا النظام بوقوفهم إلى جانبه بأية مطالب لإيصال أحد من الإخوان إلى منصب أو مركز في الدولة ، ولم يُسجل على الإخوان أنهم إستفادوا من وقفتهم هذه لا كجماعة ولا كأشخاص ، بل أشهد الله عزَّ وجلَّ أنني سمعت شخصياً من أستاذنا المحامي محمد عبد الرحمن خليفة النسور المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن آنذاك أن الملك الراحل الحسين بن طلال طلب منه تشكيل الحكومة فاعتذر لأكثر من سبب كان من بينها حرصه على قطع الطريق على خصوم الإخوان أن يقولوا إن تشكيله للحكومة كان ثمنا لوقوف الإخوان إلى جانب النظام ، وتؤكد الحقائق أن حكومة الرئيس إبراهيم هاشم نفسها التي حلت الأحزاب أغلقت بعد أشهر قليلة جريدة الإخوان ( الكفاح الإسلامي ) ، وأن حكومة الرئيس سمير الرفاعي المُشكـَّـلة في 18 / 5 / 1958 م إعتقلت مراقبهم العام الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة النسور وأمين سرِّهم العام الأستاذ يوسف العظم إثر توجيه الإخوان رسالة إلى الملك الراحل الحسين بن طلال يتـَّـهمون فيها حكومة الرفاعي بالخيانة بسبب استدعائها للقوات البريطانية إلى المفرق في أعقاب انقلاب عبد الكريم قاسم في العراق.

 

القوميون واليساريون يتـَّـهمون الإخوان بالسباحة

في بحر ٍ من الدلال ، والعكس هو الصحيح

أما معزوفة أن الإخوان كانوا وما فتئوا يسبحون ببحر من الدلال التي ما فتىء الرفاق يجترونها دون كلل أو ملل ، فإن الحقيقة التي تدعمها الأسماء تؤكد أنه في الوقت الذي لم يكن للإخوان إلا أمين عام واحد في وزارة التربية لم يطل به الأمر حتى فـُصل من منصبه وهو الدكتور عبد اللطيف عربيات ، كان الرفاق ، وليس الإخوان ، هم الذين يسبحون في بحر من الدلال ويتقلبون على مناصب الرئاسة والوزارة والسفارة إلخ ، فبعد أن أصدر الملك الراحل الحسين بن طلال قانون العفو العام رقم 8 لسنة 1965 بتنسيب من رئيس الحكومة وصفي التل ، عاد معظمالحزبيين الذين لوحقوا في أحداث الصراع في عام 1957م بين النظام والأحزاب القومية واليسارية إلى الأردن من منافي لجوئهم السياسي في مصر وسوريا ولبنان والإتحاد السوفييتي زعيم المعسكر الشيوعي ومن دول المنظومة الإشتراكية التي كانت تدور في فلك الإتحاد السوفييتي ، ولم يطل الأمر حتى نجحت سياسة الملك الراحل الحسين بن طلال ورئيس وزرائه وصفي التل في استقطاب العشرات من قيادات ورموز الأحزاب القومية واليسارية ليشاركوا في الحكومات ، فعلى صعيد رئاسة الحكومة تولاها إلى جانب وصفي التل (  قومي عربي  ) أكثر من بعثي وقومي ويساري وهم مع حفظ الألقاب ومع الإحترام لذواتهم : عبد السلام المجالي ( بعث )  ، قاسم الريماوي ( قومي عربي ) ، أحمد اللوزي ( بعث ) ، الشريف عبد الحميد شرف ( قومي عربي ) ، مُضر بدران ( بعث ) ، سليمان النابلسي ( وطني إشتراكي ) ، وعلى صعيد منصب وزير الداخلية وهو منصب سيادي لا يشغله إلا من كان موضع ثقة مطلقة ، فقد شغله السادة مع حفظ الألقاب ومع الإحترام لذواتهم : عبد الحليم النمر الحمود العربيات ( وطني إشتراكي ) وكمال الدجاني ( قومي عربي ) وإبراهيم الحباشنة ( بعث ـ جبهة وطنية ) ، ونذير رشيد ( تنظيم الضباط الأحرار ) ، وسالم مساعده ( بعث ) ، وعلي البشير العوامله ( بعث ) ، وجودت السبول ( بعث ) ، وسمير الحباشنة ( بعث ) ومازن الساكت ( بعث ) ، وعلى صعيدمنصب وزير الإعلام وهو منصب سيادي لا يشغله إلا من كان موضع ثقة مطلقة ، فقد شغله السادة مع حفظ الألقاب ومع الإحترام لذواتهم ذوقان الهنداوي ( بعث ) ، والشريف عبد الحميد شرف ( قومي عربي ) ، ومحمد أديب العامري ( قومي عربي ) ، والسيدة ليلى شرف ( قومية عربية )  ، ومحمد الخطيب ( بعث ) ، وهاني الخصاونه ( بعث ) ومعن أبو نوار ( تنظيم الضباط الأحرار ) ، وصالح القلاب ، وأسمى حنا خضر ، وعبد الله أبو رمَّـان ( الحركة الوطنية الأردنية ) ، وعلى صعيد منصب وزير التنمية السياسية وهو منصب لم يمض على إستحداثه سوى عشر سنوات ونيِّـف فقد شغله السادة مع حفظ الألقاب ومع الإحترام لذواتهم : كمال ناصر برهم ، وموسى حابس المعايطة ، ومازن الساكت ، وبسَّـام حدادين ، وخالد الكلالده ، وجميعهم من الرفاق القوميين واليساريين .

 وعلى صعيد المناصب الوزارية الأخرى فقد شغلها العديد من الوزراء القوميين واليساريين ومنهم مع حفظ الألقاب ومع الإحترام لذواتهم : عبد الله الريماوي ، هاشم الدباس ، علي السحيمات ، خليل السالم ، جمال الشاعر ، جعفر الشامي ، فارس سليمان النابلسي ، محمد السقاف ، سليم الزعبي ، حسين مجلي ، حكمت الساكت ، محمد الدباس ، أنيس المعشر ، محمد فارس الطراونة ، واصف عازر ، علي عناد خريس ، محمد داودية ، أنيس المعشر ، مصطفى شنيكات ، قسيم عبيدات ، خليل السالم ، محمد البشير العوامله ، ضيف الله المساعده ، محمود الكايد ، ولعلي نسيت البعض ، ( أنصح لمن يريد الإستزادة في موضوع المشاركة الحزبية في الحكومات الأردنية الرجوع إلى كتابي ـ الوزراء الحزبيون في الحكومات الأردنية ) .

على صعيد مجالس الأعيان كان تمثيل الإخوان لا يزيد عن عضو واحد في أية تشكيلة للمجلس وغالبا ما يكون عضوا سابقا في الجماعة ، وخلت تشكيلة مجلس الأعيان المُعيَّن في عام 2013 م من أي أخ مسلم ، بينما ضمَّت ثمانية رفاق يساريين وقوميين هم مع حفظ الألقاب ومع الإحترام لذواتهم : إملي نفــَّـاع ، أسمى حنا خضر ، بسَّـام سلامه حدَّادين ، صالح القلاب العموش ، موسى المعايطه ، جعفر الحنيطي ، كمال ناصر برهم ، هاشم أبو حسَّـان .

أما على صعيد مجالس إدارات المؤسَّـسات الحكومية وشبه الحكومية ومجالس إدارات الإذاعة والتلفاز والصحف والسفراء والأمناء العامين والمدراء ، فلا أذكر إسم أخ مسلم واحد شغل عضوية أيا من هذه المجالس أو المراكز ، وبعد كل هذه الحقائق لا يزال الرفاق القوميون واليساريون يعزفون أسطوانتهم المشروخة عن سباحة الإخوان في بحر من الدلال .

متى شارك الاخوان في الحكومة:

على صعيد جماعة الإخوان المسلمين فتقتضيني الموضوعية أن أشير إلى أن الجماعة كانت وما تزال تمنع مشاركة أعضاء الجماعة في الحكومة ، ولم تتردَّد قيادة الجماعة في تجميد عضوية أحد قيادييها الدكتور إسحق أحمد فرحان حوالي خمسة عشر عاما عندما شارك في حكومة د.  اسحاق فرحان  المُشكـَّـلة في  28 / 10 / 1970 م ، ولم تتردَّد قيادة الجماعة في فصل الشيخ عبد الرحيم العكور الذي كان يشغل مركز نائب المراقب العام للجماعة بسبب مشاركته في حكومة الرئيس علي أبو الراغب المُشكـَّـلة في 19 / 6 / 2000م ، أما مشاركة عدد من الإخوان السابقين في الحكومة فقد كانت بعد ترك بعضهم بقرار شخصي للجماعة ، أو بعد فصل بعضهم من الجماعة ، الإستثناء الوحيد لسياسة عدم المشاركة في الحكومة كانت في المشاركة الرسمية الوحيدة لجماعة الإخوان في الحكومة في حكومة الرئيس مضر بدران المشكلة في 7 / كانون الأول / 1989 م ) بقرار من قيادة جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تعهـَّـد بدران بتنفيذ جميع شروط الجماعة وعلى رأسها العمل على تحكيم الشريعة الإسلامية وعدم الدخول في عملية سلام مع العدو الصهيوني ، وشاركت الجماعة بخمسة وزراء هم : الدكتور الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني ، الأستاذ يوسف العظم ، الدكتور عدنان الجلجولي ، الدكتور عبد الله العكايله ، الدكتور ماجد محمد عبد الرحمن خليفه النسور ، وقد طلبت منهم قيادة الجماعة تقديم استقالاتهم في حزيران 1990 م بعد قرار الأردن بالمشاركة في مفاوضات سلام مع الكيان الصهيوني المُغتصب لفلسطين ، ولكن الرئيس مضر بدران إستبق تقديمهم لاستقالاتهم بإجراء تعديل وزاري أخرجهم من تشكيلة الحكومة .