الغلابة

الغلابة

خالد فخيدة

في الأغوار الجنوبية تعرضت لمقايضة غريبة من نوعها ،فأحد أبناء المزارعين هناك قايضني بتخفيض سعر سطل البندورة ربع دينار مقابل منحه تفاحة اذا كانت هذه الفاكهة متوفرة لدي في سيارتي .
مقايضة غريبة من نوعها دفعتني لسؤال هذا الفتى عن عرضه المغري فأجاب أن آخر تفاحة أكلها كانت قبل ثمانية أشهر من خلال صفقة مماثلة مع أحد القادمين من العقبة الى عمان عن طريق وادي عربة البحر الميت.
واسمحوا لي للمرة الثانية أن أتحدث عن مالكي أغنى أرض في الاردن وقد يكونوا الأفقر في مملكتنا الحبيبة نتيجة سياسات البزنس والقرارات التي يخضع تكييفها لصالح اتفاقيات تجارية دولية أو إقليمية أو ثنائية .
هذا الفتى يقطف يوميا ما بين ٧ الى ١٠ قطفات كل قطفة لا تزيد عن ١٠ كيلوغرامات تباع بسعر لا يزيد عن دينار ونصف الدينار وفِي المقابل هذه القطفة تباع في أحسن الأحوال بسعر لا يزيد عن ٧٠ قرشاً لتجار الخضار والفواكه في السوق المركزي الذي تخرج منه هذه القطفة الى المستهلك بسعر لا يقل عن ٣٠٠ فلس للكيلو الواحد في موسم زراعة البندورة و ٧٠٠ فلس في وقت زيادة الطلب وقلة العرض.
الحكومة اتخذت سلسلة إجراءات في موازنة عام ٢٠١٨ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المزارعين بأن أقنعت مصنع رُب البندورة في المفرق بتشغيل خطوط إنتاجه خلال هذه الفترة لتصريف انتاج المزارعين الزخم من البندورة خلال هذه الفترة لتخفيف حجم الخسائر التي لحقت بهم لمحدودية أسواق استهلاك منتجاتهم.
وأيضا أخذت الحكومة على عاتقها سلسلة إجراءات لدعم القطاع الزراعي مثل إعفاءات القروض الزراعية وشراء منتجات ومحاصيل حالية ومستقبلية .
ورغم كل هذه الإجراءات فإن فتى الأغوار الجنوبية لم يتمكن حتى الان من أكل التفاحة والسبب أن ايراداتهم لا تكفي لسداد مديونيات الموسم الزراعي نتيجة ارتفاع الكلف وانخفاض أسعار البيع بالنسبة لهم.
إنقاذ المزارع الأردني وتعظيم المنتج الزراعي يحتاج الى عملية جراحية عاجلة تبدأ بإنشاء شركة تسويق زراعية كبرى يكون لها فروع في كل سلال الأردن الغذائية وتمتلك من القدرات فتح أسواق تصديرية للمنتج الأردني إضافة الى مزيد من الاعفاءات على مدخلات الانتاج وتخفيض الفوائد على القروض الزراعية حتى يكون لهذا القطاع دوره في رفع نسبة النمو العام للاقتصاد الوطني الى الارقام المأمولة للخروج بحالتنا الاقتصادية من عنق الزجاجة.
فتى الأغوار الجنوبية قام بواجبه تجاه وطنه وأهله بإنتاج ما يحتاجونه من مواد زراعية أساسية على موائدهم. ولكنه حتى اليوم  لم يتمكن  من الوصول الى التفاحة التي هي أبسط حق من حقوقه للعيش الكريم.
و السؤال الأهم والأغرب كيف تكون الأغوار الجنوبية أغنى مناطق الاردن زراعياً وفي نفس الوقت الأكثر احتضاناً لجيوب الفقر في الاردن ؟
قطاعنا الزراعي مشكلته ليست خصوبة الارض وإنما الفكر والإدارة التي نشهدها اليوم في مشروع صحارى بمحافظة العقبة الذي زخرت أسواق الثغر الباسم بأول منتج زراعي له وهو مادة الخيار الخالية من كل المعالجات الكيميائية والمؤهل للتصدير الى أسواق العالم لجودته العالية.
وهذه الجودة تحقيقها ممكن في كل سلة الاردن الغذائية اذا وجدت الدعم والعناية من قبل الحكومة لتكون ايراداتها شريانا رئيسيا لتغذية خزينة الدولة بالإيرادات الوافرة التي تدفع بالحالة الاقتصادية للأمام وزيادة مخزون البنك المركزي من العملات الصعبة لتمكين الحكومة من سداد الديون بما لا يعطل مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة