سوريا إلى أين؟
بلال العبويني
عادت طروحات التقسيم في سوريا إلى مربعها الأول بعد أن غادرتها خلال الأشهر الماضية التي سجلت فيها الحكومة السورية انتصارات على المسلحين والإرهابيين واستعادت مساحات واسعة من الأراضي السورية إلى حضن الدولة.
العملية التركية في شمال سوريا واحدة من العلامات التي تؤشر إلى عودة مخططات التقسيم إلى مربعها الأول، حيث الوجود الكردي الذي يشكل قلقا دائما للحكومة التركية وتحديدا في مدينة عفرين شمال غرب البلاد ذات الغالبية الكردية من حيث السكان وذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي بالنظر إلى موقعها الجبلي المرتفع.
تاريخيا يشكل الأكراد على شريطي الحدود السوري والتركي قلقا للحكومة التركية، وازداد هذا القلق بعد الأزمة السورية بما تلقاه الأكراد من دعم وتسليح أمريكي في عملية محاربة تنظيم داعش، وهو التسليح الذي نظرت إليه تركيا بتوجس من ناحية تفاقم القوة بما قد يؤهل لقيام كيان كردي مستقل على غرار ما هو عليه الأمر في كردستان العراق.
منذ بدء الأزمة السورية سعت تركيا إلى إيجاد منطقة عازلة تضمن فيها أمنها القومي من استهداف الأكراد لها على وجه الخصوص، بحيث تتوغل تلك المنطقة العازلة ثلاثين كيلومترا داخل الأراضي السورية، لكن تطورات المشهد السوري لاحقا أدت إلى الإخفاق في تحقيق المسعى التركي، بيد أن الوضع الآن تغير بتعزيزات الولايات المتحدة لوجودها العسكري في سوريا.
الولايات المتحدة، ظلت مترددة حيال الملف السوري إبان رئاسة باراك أوباما، بيد أن دونالد ترامب حدد استراتيجيته في سوريا بالقضاء على داعش، لكن الوضع يبدو أنه تغير اليوم باتجاه تواجد أمريكي طويل الأمد في سوريا، من زاوية ضرورة أن يكون لها موطئ قدم في البلد الذي تتواجد فيه منافستها روسيا وبقوة في سوريا، ومن زاوية ثانية لضمان السيطرة على حجم ونفوذ التواجد الإيراني أيضا، ومن زاوية ثالثة للحفاظ على المصالح الأمريكية في العراق.
ويعكس ذلك المناطق التي تتواجد فيها اليوم القوات الأمريكية حيث الشمال السوري وفي الصحراء المحاذية للحدود العراقية، وهي المناطق ذاتها التي تحرص القوات الإيرانية على أن يكون فيها لها موطئ قدم أيضا.
في المقبل من تطورات المشهد السوري، قد نشهد تحركات باتجاه إقامة فيدرالية كردية في الشمال السوري، أو في المناطق التي خاض فيها الأكراد مع حليفهم الأمريكي معارك تحرير الأرض من تنظيم داعش، وتحديدا في المناطق الممتدة من الرقة إلى أقصى الشمال الحلبي حيث عفرين واعزاز وغيرهما من المناطق التي تعتبر معاقل للأكراد.
وقد نشهد تنازعا عنيفا وطويلا بين الأتراك والأكراد على ذلك وعلى الأراضي السورية، وقد نشهد تحولا في مناطق الوجود العسكري الأمريكي لتصبح مناطق نفوذ أيضا خارجة عن سيطرة الدولة السورية، وكذا الحال بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها القوات الإيرانية والتي تسيطر عليها القوات الروسية.
على العموم، تركيا تعلم أن تدخلها العسكري المباشر داخل الأراضي السورية ورطة ووقعت فيها وليس من السهل الرجوع عنها أو التخلص منها، وهي تدرك أيضا بما قد يؤول إليه الشمال السوري من تقسيم أو تحوله لمناطق نفوذ لصالح الأكراد ولا تصب في صالحها.
لكن، وفي ظل ما قد يؤول إليه المشهد السوري، ثمة سؤال عن الموقف الروسي باعتباره الحليف الأبرز للحكومة السورية، مما يجري على الأرض ومما يُخطط لسوريا، وبالتالي فإن السؤال مطروح أيضا على الحكومة والجيش السوري الذي عليهما اليوم أن يضمنا وحدة الأراضي السورية بعد كل الذي تحقق من الأزمة.