ما بين سوتشي وعفرين

ما بين سوتشي وعفرين

 

اللواء المتقاعد مروان العمد

 

قد يحسب البعض المسافه ما بين سوتشي وعفرين بالمسافه او بالوقت الذي يلزم للوصول من احداها الى الأخرى . ولكن في الحقيقه فأن المسافه بينهما هي ما بين بدايه النهايه او نهايه البدايه . ما بين امل قد بدى يلوح في الافق وما بين الانكفاء الى الواقع المؤلم . بين صفحه يجب ان تطوى وبدايه فصل جديد وما بين العوده الى بدايه القصه والحكايه . بين محاوله لنزع البنادق ومحاوله للتشبث بالبنادق . بين محاوله الحوار بالكلام الى الحوار بالقتال .

سبق وان قلت ان مؤتمر سوتشي قد يكون بدايه الخروج من النفق المظلم بعد ان تمت تسويات وتفاهمات وتوزيع اماكن نفوذ ومصالح للقوى المتصارعه في سوريه الا اذا قام احد الاطراف بقلب الطاوله وقد تم قاب الطاوله .

الولايات المتحده الاميركيه كانت قد زادت من دعمها لأكراد سوريه ولقوات سوريه الديمقراطيه وتسريب انباء عن نيتها تدريب ثلاثين الفاً منهم ليقوموا بحمايه الحدود السوريه الشماليه وان تم نفي ذلك لاحقاً ، مما اثار مخاوف تركيا الى درجه جعلتها تتدخل عسكرياً في سوريه بدايه من عفرين ومروراً بمنبج وصولاً الى الحدود السوريه العراقيه وهي العمليه التي اطلقت عليها غصن الزيتون لتعطي نتائج عكس ما يحمله اسمها من رمز .

تتسارع الخطوات لعقد الجوله التاسعة من مؤتمر جنيف ولأنشغال جنيف فقد تحول المؤتمر الى ڤينا . ويحضر وفد النظام ويحضر وفد المعارضه ويحضر المبعو ث الاممي دي مستورا المتهم من الجميع يا لأنحياز للطرف الآخر وتبدأ المساومات ومحاولات الحصول على اكثر النقاط في اللحظات الاخيره . وكان وفد المعارضه بحاجه لبعض النقاط ليقول للمعارضه الرافضه للمؤتمر انه حققها . ولتحقيق هذه الغايه فقد فرضت الدوله الروسيه وقفاً لإطلاق النار في الغوضه الشرقيه ينفذ خلال ساعات مع وعد بإطلاق متبادل للأسرى وزاد الأمل بأنعقاد مؤتمر سوتشي بحضور غالبيه المدعوين والذين بلغوا ١٦٠٠ شخص يمثلون جميع الاطياف والاتجاهات .

في هذه اللحظة كانت تجري أحداثاً اخرى على الساحه السوريه . فبعد مرور حوالي أسبوع على عمليه غصن الزيتون التركيه في منطقه عفرين السوريه ذات التركيبة السكانيه الكرديه والهادفه الى القضاء على الوجود الكردي المسلح فيها دون تحقيق نتائج حاسمه ، فقد عزت تركيا ذلك للدعم العسكري الاميركي للقوات الكرديه والتي تحارب بأسلحه اميركيه . وقد ردت عليها اميركا انها لا تدعم هذه القوات عسكرياً وليس لها قوات في عفرين . عندها طلبت تركيا من اميركا سحب قواتها العسكريه من منطقه منبج ذات الاغلبيه العربيه والتي تخضع لسيطره المجلس العسكري لمدينه منبج والتابع لقوات سوريه الديمقراطيه حيث يتواجد لها ألفي جندي هناك . وردت عليها امريكا برفض هذا الطلب وصرح مصدر عسكري رفيع ان الولايات المتحده الاميركيه تتفهم المخاوف التركيه وانها مستعده لترتيب منطقه عازله على طول الحدود التركيه الا انها لن تسحب قواتها لا من منبج ولا من أي منطقه في سوريه قبل ان تحقق اهدافها هناك مع القول انا تتمنى عدم حصول مواجهه بين قوتين تابعتين لحلف شمال الاطلنتي على الاراضي السوريه مع ما في هذا التصريح من تهديد باستخدام ألقوه اذا تعرضت مناطق تواجد القوات الاميركيه الى أي هجمات من القوات التركيه . ولم يعجب هذا الموقف تركيا التي تخطط للأستمرار في حربها على أكراد سوريه وملاحقتهم حتى الحدود العراقيه حيث توجد للولايات المتحده الامريكيه قوات أخرى هناك .

عندها أعلن عن انهيار الهدنة في منطقه الغوطه الشرقيه بعد ربع ساعه من سريانها حّمل فيها كل طرف الطرف الآخر مسؤليه انهيارها . وبنفس الوقت أعلنت الهيئه العليا لقوى المعارضه السوريه عن عقد جلسه للتصويت على المشاركه في مؤتمر سوتشي او عدم الموافقه حيث صوت اربع وعشرين عضواً بعدم الحضور وعشره مع الحضور حيث تغيب عن التصويت عضوان واحد للاستقاله والآخر لوفاته . وكان يلزم لاتخاذ قرار عدم الحضور ان يصوت عليه سته وعشرين عضواً الامر الذي لم يتحقق الا ان نصر الحريري رئيس الهيئه ورئيس وفدها للمفاوضات أعلن مقاطعه المؤتمر . كما اصدر أربعون تنظيماً مسلحاً من تنظيمات المعارضه رفضهم للمؤتمر مطالبين أولاً بوقف الهجوم على منطقه أدلب . كما أعلن خمسون عضواً من أعضاء المعارضه في منطقه حلب رفضهم حضور المؤتمر .

 

ورغم ذلك أعلنت روسيا ان هذه المقاطعه لن تؤثر على عقد المؤتمر حيث انه سوف يحضره حوالي الف وخمسمائه عضو بينهم الكثيرين ممن يمثلون قوى المعارضه بالاضافه الى ممثلي المعارضه السياسيه في دمشق وأعضاء هيئه المعارضه العشره الذين وافقوا على الحضور والذين يمثلون على الأغلب منصتي للقاهره وموسكو . الا ان سقف التوقعات لنتائج هذا المؤتمر قد انخفض الى حد كبير وقد انعكس ذلك على عدم حضور فلادمير بوتين لجلساته وتخفيض مستوى تمثيل الوفد الروسي ، وكما فعل ذلك وفد النظام الذي خفض هو الآخر مستوى تمثيله في حين أعلنت كل من الولايات المتحده الامريكيه وفرنسا مقاطعتها للمؤتمر .كما أعلن أكراد سوريه مقاطعتهم له احتجاجاً على الهجوم التركي عليهم . بالرغم من حضور دي مستورا لجلسات المؤتمر مما يعطيه شرعيه دوليه وبالرغم من اعلان معارضي منطقه حلب الخمسين عن عدولهم عن مقاطعه المؤتمر وأنهم بالطريق لحضوره الا ان اقتصار مواضيع المناقشه في هذا المؤتمر على وضع مشروع دستور سوريه المستقبليه وتشكيل لجنه يرأسها دي مستورا للقيام بهذه المهمه والتي يرفضها الجميع حتى النظام من منطلق ان هذا امر سوري داخلي سواء تمت صياغته من قبل النظام او من قبل المعارضه او من قبلهما معاً فأن مصير هذا المؤتمر هو الفشل الذريع ليس في حل الازمه السوريه بل حتى في لحلحتها بالرغم من البيان الختامي للمؤتمر والذي تسرب قبل انعقاده . والى هذا فأن الأمور في سوريه لا زالت مرشحه للتصعيد ولا زالت الطاولات تُقلب امام المتفاوضين ولتنضم مدينه سوتشي الى المدن الأخرى التي تعقد فيها الىفاوضات ليصبح هناك سوتشي اثنان وثلاثه وهكذا .

ملاحظه : تمت كتابه هذه المقاله قبل انعقاد جلسات المؤتمر اليوم الموافق الثلاثين من كانون الثاني عام ٢٠١٨ . وعلى ضوء ما سيتم في هذا المؤتمر سيكون هناك حديث آخر.