مشكلة وكالة الغوث المتكررة...

 

د. عزت جرادات

 

بعد اقتراف (منظمة الأمم المتحدة) القرار (181) عام (1947) بتقسيم فلسطين: دولة لليهود ودولة لعرب فلسطين، وبعد نكبة الشعب الفلسطيني (أو النكبة العربية 1948) باحتلال اليهود (78%) من مساحة فلسطين، كانت الصدمة التي تلقتها تلك المنظمة حيث أدى قرارها إلى إيجاد ما يقارب ثلاثة أرباع المليون لاجئ فلسطيني، فهل جاء قرارها رقم (302) لعام (1949) بتأسيس (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى- فلسطين والأردن وسورية ولبنان) هل جاء استجابة ضميرية (نسبة إلى الضمير)؟، ولا أظن ذلك، كان الهدف المعلن لتأسيس هذه (الوكالة) تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين لتشمل توفير خدمات (التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية للمخيمات وتحسين تلك الخدمات).

باشرت الوكالة عملها (أيار 1950) بانتظار حل ما (لمسألة لاجئي فلسطين) التي أصبحت أكثر تعقيداً، فقد أصبح حجم من ينطبق عليهم تعريف (اللاجئ الفلسطيني حسب ما قررته تلك الوكالة)، أصبح ما يقارب خمسة ملايين لاجىء فلسطيني، وأصبحت مسالة اللاجئين الأصعب بالنسبة لأي حل للصراع العربي- الصهيوني، أو (الفلسطيني- الإسرائيلي).

كان الأصل أن تكون هذه الوكالة مؤقتة تنتهي بانتهاء حل القضية الأساسية، ولكنها استمرت في تقديم الخدمات لأربعة أجيال من لاجييء فلسطين، واقترفت منظمة الأمم المتحدة الخطأ الثاني عندما جعلت تمويل الوكالة من خلال (التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة)، في حين أنه كان الأصل أن تتحمل (المنظمة) مسؤوليتها، فتلتزم بتوفير التمويل اللازم لموازنة (الوكالة)، وقد كانت الولايات المتحدة، والسويد، والدول الاسكندينافية، واليابان، وكندا، وبعض دول الخليج العربية، من الدول المانحة بتفاوت في النسب والسنوات، متأثرة بالظروف السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية لتلك الأقطار، ومن هنا، كانت تظهر أزمات الوكالة المالية، فتحرك مقرها الرئيسي من (فينا) لاستطلاع آراء الدول المستضيفة (الأردن وفلسطين وسورية ولبنان)، حول رؤيتها للتخلي عن مسؤولياتها وإلقاء العبء على هذه الدول المستضيفة، لقد واجهنا في الأردن، ومن خلال التنسيق ما بين الوزارات المعنية بالخدمات (التربوية، والصحية، والاجتماعية، وتحسين مستوى الحياة) تلك الاستطلاعات برفضٍ تام، باعتبار ذلك مسؤولية الوكالة (غوث اللاجئين) و(الأمم المتحدة).

لقد تكررت الأزمة المالية للوكالة، وأصبحت خدماتها وبرامجها مهددة بالتوقف، إلى أن تتم المناشدة الدولية من جديد لإنقاذ الموقف، وهو أسلوب أقل ما يقال فيه أنه تساهل (الأمم المتحدة) في مواجهة الأزمة المتجددة، وكانت جميع الأزمات تنتهي بإيجاد التمويل، بشكل أو بآخر، ولكن ذلك لم يأخذ على الإطلاق منحاً سياسياً، فهو يتعلق بجوانب إنسانية (حق التعليم، والرعاية الصحية والاجتماعية)، أما الأزمة المالية الحالية (للوكالة) فقد أخذت نهجاً درامياً، فأكبر المانحين غضب على (124) دولة في منظمة الأمم المتحدة لم تكترث بوعيدها، فصب غضبه على طرف ثالث (السلطة الوطنية الفلسطينية) والتي لا تتحمل مسؤولية الأزمة (للوكالة)، ويتخذ موقفاً أبعد ما يكون ذا مصداقية عقلانية أخلاقية.

أخيراً، إن تكرار هذه الأزمة المالية (للوكالة) يدعو إلى إيجاد حلول آنية ومستقبلية، فالحلول الآنية قد تتحقق عبر ما ينتج من مناشدات دولية وتحذيراً من خطورة تقاعس أكبر دولة مانحة، لجأت لرد فشلها الذريع أو الصفعة التي تلقتها من (124) دولة رفضت الاهتمام بالوعيد، بردها إلى طرف ثالث ليقدم تنازلاً سياسياً وهو ما يمكن تسميته ابتزازاً يفتقر إلى العقلانية – الأخلاقية، فالطرف الثاني المتضرر هو (الوكالة) نفسها، ومن تقدم لهم الخدمات الإنسانية، وهذا الطرف مدعو إلى العودة إلى منظمة الأمم المتحدة نفسها لتعديل قرارها (302) ليكون التمويل (للوكالة) التزاماً من (المنظمة) كحل مستقبلي إلى أن تحل (قضية اللاجئين والعودة).//