شوارع بلا محتجين

شوارع بلا محتجين

وليد حسني

بدأت الإحتجاجات الشعبية على قرار ترامب نقل سفارة بلاده الى القدس واعترافه بها عاصمة لدولة الإحتلال تخف تماما ليس في الأردن وإنما في مختلف العواصم العربية والعالمية وكأن ذالك النشاط الإحتجاجي الذي انطلق صاخبا وكبيرا أصيب بالشلل، أو شعر بالإكتفاء بما قدمه في الشوارع من إحتجاج وغضب.

اليوم بدت الشوارع خالية من المحتجين والمتظاهرين، فلا أصوات تُرفع مستنكرة قرارات الأهوج ترامب، ولا يافطات ترفع في وجه أمريكا وسياساتها المنحازة تماما للإحتلال الصهيوني.

الذي بقي في الشوارع هم الفلسطينيون، فقط الفلسطينيون الذي يواجهون جيشين، أحدهما للاحتلال الصهيوني والآخر تمتلكه السلطة الفلسطينية في أم الشرايط في رام الله، تلك المدينة اتي تقترحها مصر عبد الفتاح السيسي لتكون عاصمة بديلة للفلسطينيين عن القدس.

عندما صرخ الشاعر محمود درويش ذات قصيدة" يا وحدنا..؟؟!!" قيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر، إلا أن تلك الصرخة تبدو هذا الأوان وكأنها مسطرة للشعب الفلسطيني الذي عاد ليكون وحيدا في ساحات الرفض والإحتجاج، دون داعم يتواصل معه عن بعد سواء أكان عربيا أم إسلاميا أم أمميا.

ربما الساحة الوحيدة التي لا تزال تنشط قليلا هذا الأوان هي الساحة الدبلوماسية الأردنية المتعلقة بالقدس، هنا تتكامل عمان والقدس تماما في المعركة الدبلوماسية التي تبدو وكأنها تحرث في الماء فلا قوة تدعم الدبلوماسية، ولا قوة تأثير حقيقية في المجتمع الأممي يمكنها ان تكون الرديف الأساس والقوي لأي تحرك دبلوماسي في هذا الجانب.

هنا، وهناك وفي كل مكان بدت الساحات والشوارع شبه خالية من المحتجين الذين ينحازون للإنسانية وللحق الطبيعي للشعب الفلسطيني بمدينته المقدسة وعاصمته التاريخية الأبدية، ولا تفسير لهذا الغياب غير ما يقوله دوما علماء الإجتماع في هذا الجانب من أن الشعوب تكل وتمل عادة وتنزوي وتتراجع للخلف في مثل تلك الإحتجاجات الداعمة، ليبقى صاحب القضية الأساسي هو الوحيد الذي يتصدى للمحتل، ويدفع الضريبة والثمن كاملا بل ومضاعفا.

 

من هنا تبدو الصورة في المشهد أقرب للمأساة، شعب بكامله يواجه الاجتثاث والقتل بدم بارد، وينتظر أياما أكثر من سوداء حين تكتمل سيناريوهات الأمريكي والإسرائيلي وحتى أحلام بعض العرب ضد الفلسطينيين ووطنهم وقضيتهم، وعندها ستصبح فلسطين بكامل حضورها مجرد قضية في أرشيف الساسة، وأوراق التاريخ وفقا لما يحلم به الأهوج ترامب وربيبته دولة الإحتلال الصهيوني وبعض حلفائهم من العرب.

لكن ما لا يدركه هؤلاء مجتمعين أن الشعوب لا تنسى، ولو كانت تنسى لنسي الفلسطينيون قضيتهم او لنسي الجزائريون ذلك، ولكن من المؤكد ان الأجيال المقبلة التي بدأت تظهر بقوة وفاعلية وبتأثير طاغ  في تضاريس القضية الفلسطينية ستكون لها كلمتها، فهذا جيل مختلف تماما حتى عن جيل الإنتفاضة الأولى وجيل الانتفاضة الثانية، هناك على أرض فلسطين ثمة قوة طاغية ومبشرة بدأت تتشكل وستعرف تماما كيف تعبر عن نفسها..//