الفردوس المفقود في ضريبة الدخل
الفردوس المفقود في ضريبة الدخل
وليد حسني
من أمتع الأخبار واكثرها فكاهة وغرابة واستدرارا للشفقة مناشدة موظفي ضريبة الدخل الذين تم نقلهم الى وزارات ومؤسسات اخرى صاحب الفضيلة مفتي المملكة، ورجال الدين المسيحي في المشروعية الدينية لقرار نقلهم من مكان عملهم.
المضحك المبكي هنا أن هؤلاء الموظفين قضوا اياما وربما سيقضون أياما اخرى في حالة احتجاج على قرار نقلهم، بدءا بمجلس النواب مرورا برئاسة الوزراء وانتهاء بطلب فتاوى، وكأن القانون الذي يحكم موظف الادارة العامة مجرد لعبة لا تحظى باحترام احد.
ولست هنا بصدد الدفاع عن إدارة ضريبة الدخل، او حتى الموظفين المنقولين الذين يعتقدون ان نقلهم جاء في سياق عقوبة لهم، وإن كنت لا املك غير التعاطف معهم فهم كما يقولون بنوا حياتهم على ما يحصدونه من حوافز الى جانب رواتبهم ومن الواضح ان هذه الحوافز كبيرة جدا لتجعلهم يتباكون على الجنة التي أخرجوا منها بدون إرادتهم وعلى خلاف طموحاتهم.
والسؤال المثير هنا هو هذه الدعوة التي اطلقها هؤلاء يطلبون فيها فتوى شرعية تعمل على قياس قرار النقل وفقا لمسطرة الشرع، وكانهم في حرب دينية يخوضون غمارها بين معسكر الكفر ومعسكر الإيمان، وهنا مكمن الخطر، ومحل الإستغراب والإضحاك والتنكيت والتبكيت.
وبحسب علمي المتواضع فهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن احتجاج عمالي ووظيفي يطلب فتوى شرعية، وكأننا نفتقر للفتاوى الشرعية التي تملأ الشوارع والأزقة وتدهمك أينما يمَّمت وجهك.
وعلى هامش هذه الدعوة الغريبة المستغربة يتدحرج سؤال لا بد من أن يجيب هؤلاء عليه حتى نستطيع تفهم مشكلتهم ومأساتهم، وهو كم قيمة الحوافز المالية التي يحصل عليها هؤلاء شهريا لتدفعهم للتباكي على فردوسهم المفقود، وطردهم من جنة النعيم الى جحيم الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى؟.
وبالمقابل هناك سؤال آخر يتوجب طرحه حتى تتضح أمامنا تلك المعادلة يتعلق بماهية المسطرة التي اعتمدها مدير دائرة الضريبة لاختيار هؤلاء الموظفين لنقلهم فقط من بين عشرات وربما مئات الموظفين الآخرين في الدائرة، ولماذا هؤلاء فقط دون غيرهم، وهل من أسس تم اعتمادها لحشر هؤلاء في قائمة النقل؟.
إذا عرفنا الإجابتين على هذين السؤالين ربما نستطيع حينها اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه، أما أن نبقى نتعامل مع هذه القضية باعتبارها حالة من اعتصامات واحتجاجات الندب ولطم الجيوب والخدود على الخروج من جنة الضريبة وبسبب فقدان الإمتيازات فهذا أمر لا اظن ان احدا يقبل به، ويستسيغه، فالموظف في الإدارة العامة هو ملك للدولة وعليه الإنصياع لقراراتها وعليه الإحتكام الى القوانين والقضاء في حال تعرضه لأي غبن او ظلم أو تجاوز على حقوقه، ثم من حقه الإحتجاج والإعتصام وطلب النصرة حتى يستقيم له حقه ويعود اليه.
نحن في الأردن لدينا الكثير من الأعاجيب والغرائب، فالبعض يستعين بعشيرته واهله إذا ما احيل على التقاعد، والبعض الآخر ربما يعتصم ويعقد المؤتمرات إذا تم نقله من مقر عمله الى عمل آخر، وكأن الدولة والإدارة العامة مشيخة مسجلة باسم هؤلاء تنطبق عليها قوانين الملكية الخاصة التي تتناقل بالتوارث من الأجداد الى الأحفاد مرورا بالأبناء.//