المعارضة الإسلامية العدمية

 

وليد حسني

 

قاطع نواب حزب جبهة العمل الإسلامي جلسة مجلس النواب في مناقشة الموازنة العامة للدولة، داعين الحكومة لتبيين موقفها من المذكرة النيابية التي وقعها نحو 100 نائب اشترطوا الاستمرار في مناقشة الموازنة إذا ألغت الحكومة قراراتها برفع اسعار الكاز والديزل والخبز والكهرباء.

 

يبدو المبرر أمام نواب حزب جبهة العمل الإسلامي مقبولا في إطاره العام، لكن هل مقاطعة جلسات مناقشة الموازنة يكفي لتسويق هذا الموقف المعارض امام الناخبين والجمهور؟ وهل المقاطعة ستؤدي الى خلخلة بنى القوى التصويتية المؤثرة داخل المجلس؟ أم أن هذه المقاطعة ستساهم تماما في تعبيد الطريق أمام النواب المتحمسين للموازنة ولأرقامها المفجعة؟.

 

لا تبدو هذه المعطيات تمثل بمجملها مبررات كافية ومقنعة للجمهور لقبول مقاطعة 14 نائبا في كتلة الإصلاح النيابية الممثلة لحزب جبهة العمل الإسلامي يمثلون ما نسبته ( 11,8 %) من مجموع قوى المجلس التصويتية، فهذا الغياب أو الإنسحاب السلبي وربما العدمي لن يؤثر بالمطلق في اتجاهات التصويت، ولن يعرقل إنزلاق الموازنة الناعم، ولن يؤثر هذا الغياب كثيرا في اتجاهات الخطاب النيابي نحو الموازنة، ولن تشعر الحكومة بالخوف والرهبة من هذا الغياب، ولن تتراجع الحكومة عن قراراتها، ولن يتمسك النواب بما وقعوا عليه في المذكرة التي أعدمت مبكرا.

 

في الذاكرة ثمة الكثير من الإنسحابات العدمية لنواب الحركة الإسلامية ربما أولها انسحابهم التاريخي من جلسة مجلس النواب الثاني عشر في مناقشة اتفاقية وادي عربه، غاب نواب حزب جبهة العمل الإسلامي دون أن يكون لهذا الغياب أي تأثير على اتجاهات التصويت، بل إن هذا الغياب العدمي في حينه منح اتفاقية وادي عربة طريقا مفتوحا لإقرارها، إلا أن النواب الإسلاميين خسروا في حينه فرصة تسجيل موقفهم للتاريخ أولا، ولجمهورهم ثانيا.

 

والمرة الثانية التي انسحب النواب الإسلاميون فيها من جلسات المجلس ومقاطعتهم لها كانت في مناقشة رفع اسعار الخبز في حكومة عبد الكريم الكباريتي، غادر النواب الإسلاميون القبة، وأعلنوا المقاطعة دون ان ينجحوا بالوفاء لجمهورهم بنقل أرائهم ومواقفهم في حينه ضد قرار الحكومة وسياساتها.

 

انسحب الإسلاميون من تلك الجلسة في حينه دون ان يكون لهذا الإنسحاب أي تأثير على اتجاهات التصويت، ولم يعرقل هذا الإنسحاب في حينه قرارات الحكومة وسياساتها.

 

يخسر الإسلاميون كثيرا باعتمادهم على سياسة الإنسحاب والمقاطعة، ويخسرون أكثر حين يتم حشرهم في سلم حسابات الربح والخسارة، وهم اكثر من غيرهم خبرة ودراية في تقييم قوة تأثيرهم وحضورهم في اتجاهات التصويت تحت القبة، وهم الأكثر دراية بمدى ما يخسرونه من المقاطعة لعل أبسط هذه الخسائر أنهم لم يحصلوا على فرصة نقد الموازنة والحكومة وتقديم رؤية او برنامج مغاير لها ولسياساتها ولاتجاهاتها ولارقامها.

 

بالمقاطعة يخسر الإسلاميون أكثر مما يكسبون، ولعل أبسط هذه الخسارات أنهم خسروا منبرا مباحا ومفتوحا ليقولوا منه كل ما يريدونه، وما يرغبون بحدوثه، وخسروا مخاطبة جمهورهم مباشرة لصالح انتصارات لا تبدو أنها واقعية أو مقبولة في لغة السياسة، ولغة اللعبة البرلمانية الديمقراطية، ولغة المعارضة، ولغة التواصل مع الجمهور..//