"الثوري" يتدخّل وترامب يغرد
تصاعد الاحتجاج في ايران.. نيران الغضب تلتهم صور الملالي
الانباط- عواصم ووكالات :- مامون العمري
لليوم الثالث على التوالي، استمرت التظاهرات في عدد من المدن الإيرانية امس السبت، اجتجاجاً على غلاء المعيشة والفساد، وقد اتخذت طابعاً سياسياً بعدما رددّ المتظاهرون هتافات مناهضة للحكومة الايرانية والرئيس حسن روحاني وسياسته في المنطقة.
وقد أشرنا في ملف الامس عبر" الانباط " الى نزول الإيرانيين إلى الشوارع في مدينة مشهد، ثاني اكبر المدن البلاد، للاحتجاج على ارتفاع الأسعار، وهم يرددون شعارات مناهضة للحكومة. واتسعت الاحتجاجات لتشمل مدناً عدة، يعطي مؤشرات بدايات لربيع يشابه ربيع ديكتاتوريات انتهت تحت ضغط الشارع في المنطقة والعالم، الذي يقف منقسما تجاه سياسات ايران الخارجية ، وتدخلاتها في شؤون دول الجوار وابعد من الجوار متناسية معاناة الشارع الايراني الذي أفادت مواقع ايرانية اصلاحية ان مئات الايرانيين خرجوا في تظاهرات الخميس في مشهد ثاني اكبر المدن الايرانية وبلدات اخرى احتجاجاً على البطالة وغلاء الاسعار.
وقد توسعت رقعة التظاهرات من مدينة مشهد الى العاصمة طهران ومحافظة كرمنشاه ومدينة قم، وغيرها من المدن التي اندلعت فيها تظاهرات كبرى، هي الأولى منذ "الثورة الخضراء" العام 2009.
وتقول التقارير في كرمانشاه غرب إيران، تجمّع حوالى 300 متظاهر، في ما وصفتها وكالة «فارس» المحسوبة على «الحرس»، بـ «دعوة من معارضين للثورة»، مضيفة أنهم هتفوا: «أطلقوا السجناء السياسيين» و «الحرية أو الموت» و «لا تهتموا بفلسطين، فكروا بنا»، وأتلفوا ممتلكات عامة. وبُثّت تسجيلات مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهِر متظاهرين يصرخون: «الناس تتسول ورجال الدين يتصرفون مثل آلهة»، قبل أن تفرّقهم الشرطة.
وبين المتظاهرين في كرمانشاه التي تعرّضت لزلزال أوقع 600 قتيل الشهر الماضي، مواطنون خسروا أموالهم نتيجة انهيار مؤسسات تسليف غير مرخصة. وأفادت وكالة «تسنيم» التابعة لاستخبارات «الحرس»، بأن «المتظاهرين طالبوا بكشف مصير حساباتهم، والشرطة تعاملت معهم بروية، على رغم عدم حصولهم على إذن بالتظاهر».
كما تجمّع حوالى 50 شخصاً في طهران، احتجوا على الغلاء والسياسات الاقتصادية لحكومة روحاني. وأعلن نائب الحاكم حسن حمداني أن معظمهم غادر المكان استجابة لطلب الشرطة، مستدركاً أن السلطات احتجزت لفترة وجيزة عدداً ضئيلاً منهم رفضوا الطلب.
وفي مدينة أصفهان، انضمّ محتجون إلى تجمّع نظمه عمال مصنع يطالبون بأجورهم. وقال شاهد: «سرعان ما تحوّلت الشعارات من الاقتصاد إلى مناهِضة لروحاني والمرشد» علي خامنئي. وأفادت تسجيلات بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي بتنظيم احتجاجات في مدن أخرى، بينها ساري ورشت وقم وهمدان.
رأى خطيب صلاة الجمعة في مشهد أحمد علم الهدى، أن التجمّع في المدينة «على الغلاء كان محقاً»، داعياً المسؤولين إلى «الاهتمام بمطالب الشعب، تجنباً لاستغلالها من الأعداء». لكنه حذراً من «استغلال» هذه المطالب، قائلاً: «إذا تركت أجهزة الأمن مثيري الشغب وشأنهم، فسينشر الأعداء تسجيلات وصوراً في إعلامهم ويقولون إن النظام الإيراني فقد قاعدته الثورية في مشهد». وأضاف علم الهدى، وهو عضو في مجلس خبراء القيادة وممثل خامنئي في مشهد: «بعضهم خرج للتعبير عن مطالبه، ولكن فجأة ردّدت مجموعة لا يتعدى عددها الخمسين وسط حشد بالمئات، هتافات مغايرة ومريعة، مثل (اتركوا فلسطين) و(أضحّي بحياتي في سبيل إيران) و(لا غزة أو لبنان)».
ولفت النائب الأول لروحاني إسحق جهانكيري، إلى «أحداث وقعت في البلاد بذريعة مشكلات اقتصادية»، مستدركاً: «يبدو أن هناك أمراً آخر وراءها». ولمّح إلى أن الخصوم الأصوليين نظموا التظاهرات، قائلاً: «يعتقدون بأنهم يؤذون الحكومة بما يفعلون. أثق بأن ذلك سيرتد عليهم وسيحرقون أصابعهم». وتابع: «عندما تُطلَق حركة اجتماعية وسياسية في الشوارع، فإن مدبّريها لن يكونوا بالضرورة قادرين على السيطرة عليها في النهاية».
أما «الحرس الثوري»، فشدد على «ضرورة الوفاق والتعاضد والتحلّي بوعي وطني، لمواجهة مؤامرات العدو الجديدة وخطط مضمري الشرّ لإيران».
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش ان «الاحتجاجات في مشهد ومدن إيرانية أخرى فرصة للمراجعة العاقلة وتغليب مصلحة الداخل على مغامرات طهران العربية». وأضاف في تغريدة على حسابه في «تويتر» ان «مصلحة المنطقة وإيران في البناء الداخلي والتنمية لا استعداء العالم العربي».
وحضّ السيناتور الجمهوري توم كوتون، الإدارة الأميركية على دعم الاحتجاجات في إيران، وورد في بيان أصدره انه «حتى بعد بلايين (الدولارات التي نالتها طهران) في تخفيف العقوبات من خلال الاتفاق النووي، لا تزال عاجزة عن تأمين الاحتياجات الأساسية لشعبها، ربما لان الكثير من تلك الأموال دفع في حملة عدائية اقليمية، في سورية ولبنان والعراق واليمن». واعتبر ان الاحتجاجات «تُظهِر أن النظام الذي تقوده أيديولوجيا الكراهية، لا يمكنه الحفاظ على تأييد شعبي واسع إلى الأبد». وزاد: «يجب أن ندعم الشعب الإيراني الراغب في المخاطرة بحياته للتعبير عن معارضته».
الحكومة الايرانية علّقت على التظاهرات، معتبرة أنها مخالفة للقانون داعية المواطنين الى عدم المشاركة فيها، وقال وزير الداخلية الايراني عبد الرضا رحماني فضلي السبت "نطلب من السكان عدم المشاركة في التجمعات المخالفة للقانون، مضيفاً أنه "حتى الآن حاولت قوات الامن والسلطات القضائية التعامل مع التجمعات المخالفة للقانون لتفادي حصول مشاكل"، بحسب ما نقلت عنه وكالة ايسنا.
وكان الحرس الثوري، دعا في بيان له بمناسبة ذكرى أحداث ما بعد انتخابات 2009 إلى وحدة الشعب الإيراني واليقظة لمواجهة ما وصفه مخطط فتنة جديدة يستهدف إيران. وقال الحرس الثوري إن أميركا وإسرائيل وبريطانيا والجبهة المعادية للثورة في الداخل والخارج والرجعية تتبع أسلوبا مخادعا جديدا لإحداث فتنة في البلاد واستهداف حركة ثورتها خارج الحدود.
وأكد البيان أن الحرس الثوري يرصد ويتابع تحركات أعداء الداخل والخارج ولن يسمح لهم بإلحاق الضرر بالبلاد.
وتضاعفت أسعار البيض منذ الأسبوع الماضي، بعدما أعدمت الحكومة ملايين الدجاج لإصابتها بأنفلوزا الطيور، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة، محمد باقر نوبخت.
ولكن أسباب الاحتجاجات أعمق من أسعار البيض، حسب النائب، حميد غارمابي، من مدينة نيسابور قرب مشهد، الذي قال لوكالة فارس إن هناك أزمة كبيرة في مشهد سببتها المؤسسات المالية غير القانونية".
وتعكس موجة الاحتجاجات سخطا متناميا بسبب الارتفاع الشديد في الأسعار ومزاعم الفساد في الجهاز الحكومي، فضلا عن مخاوف تكبد خظزينة الدولة لخسائر باهظة جراء مزاعم بتورط الحكومة الإيرانية في الصراعات بالمنطقة، على رأسها سوريا والعراق.
ويقول مراسلون إن التظاهرات تمثل أخطر احتجاجات شعبية في إيران منذ التظاهرات الحاشدة عام 2009 التي أعقبت التلاعب المزعوم في الانتخابات الرئاسية.
وأعلنت بعض المؤسسات المالية إفلاسها بعد أن سارعت إلى فتح باب الاستثمار وسحب مبالغ طائلة من المواطنين، حيث تقاعست الكثير من الاستثمارات بسبب تعثر تنفيذ الاتفاق النووي.
وتسعى حكومة روحاني منذ 2013 إلى تطهير القطاع المالي، وأغلقت ثلاث مؤسسات قروض كبيرة، وهي ميزان، وفرشتيغان وثمن الحجاج، وأمر البنك المركزي بتعويض ودائع المستثمرين، ولكن يعتقد أن العملية لا تتم بالسرعة الكافية.
بدوره، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السبت، تغريدة "قويّة" بخصوص الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، ضد الفساد وغلاء الأسعار وتراجع الأوضاع الاقتصادية.
وقال ترامب في تغريدة، نشرها على حسابه الرسمي في تويتر، إن العالم يراقب ما يحدث في إيران من قمع واعتداء على المتظاهرين، مرفقا التغريدة بوسم "هاشتاغ" #IranProtests.
وأضاف "تقارير كثيرة حول الاحتجاجات السلمية التي يخوضها المواطنون الإيرانيون الذين تضرروا من فساد النظام وإهدار ثروات البلاد لتمويل الإرهاب في الخارج".
وتابع "يجب على الحكومة الإيرانية احترام حقوق شعبها. بما في ذلك الحق في التعبير. العالم يراقب!"
أكدت الخارجية الأميركية في بيان بأنها "تتابع تقارير عن الاحتجاجات العديدة والسلمية للمواطنين الإيرانيين في المدن في جميع أنحاء البلاد".
وأضافت: "لقد تحول زعماء إيران كدولة غنية ذات تاريخ وثقافة غنية إلى بلد شرير وضعيف، أهم صادراته هو العنف وإراقة الدماء والفوضى. وكما قال الرئيس ترمب، فإن أكبر ضحايا القادة الإيرانيين الشعب الإيراني نفسه".
تأتي التغريدة في أعقاب اعتقال السلطات الإيرانية 52 شخصا في مدينة مشهد شمال شرقي ايران التي تعد مركزا دينيا مهما في إيران، خلال الاحتجاجات.
أدانت وزارة الخارجية الأمريكية اعتقال عدد من المتظاهرين الإيرانيين في ثاني يوم للاحتجاجات المناهضة للحكومة بسبب ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة، وفي بيان، دعت الخارجية الأمريكية دول العالم إلى دعم الشعب الإيراني لنيل حقوقه الأساسية والقضاء على ما سمته "الفساد" في البلاد، ووصفت هيذر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، إيران بأنها "دولة مارقة مستنزفة اقتصاديا تقوم صادراتها الرئيسية على العنف وسفك الدماء والفوضى"، كما جدد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، دعمه لما لـ "عناصر داخل إيران تسعى إلى انتقال سلمي للسلطة."
ورغم تحذيرات السلطات الإيرانية، تواصلت الاحتجاجات التي انطلقت تحت شعار "لا لرفع الأسعار" ليومها الثاني، وتركزت في عدد من المدن الكبرى، من بينها مشهد شمال شرقي البلاد.
ويظهر فيديو، نشره حساب "news_kurdii" على تويتر الجمعة، هجوم قوات الباسيج وعناصر أمنية بلباس مدني على المتظاهرين، وذلك في محاولة منها لإرهاب المنتفضين.
ورصدت تسجيلات مصورة متظاهرين في مشهد وهم يهتفون "الموت لروحاني" و"الموت للديكتاتور" و"لا غزة ولا لبنان، حياتي لإيران"، في ما يؤشر إلى غضب شعبي من تركيز السلطات على القضايا الإقليمية بدلا من تحسين الظروف داخل البلاد.
وكانت زعيمة المعارضة الإيرانية، مريم رجوي، التي كانت قد دعت الخميس لدعم "الانتفاضة الكبيرة"، قالت الجمعة "أمس مدينة مشهد واليوم كرمانشاه وغدا عموم إيران. هذه هي الانتفاضة الكبيرة للشعب لإسقاط دكتاتورية الملالي الفاسدة التعسفية".
نيران غضب إيران تلتهم صور الملالي
أتلتهمت ألسنة اللهب كذلك صور الرئيس الإيراني حسين روحاني، والمرشد الأعلى لنظام الملالي علي خامنئي، وغيرهما من رموز 'ولاية الفقيه' في إيران.
ففي الفيديوهات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تناقلها الإيرانيون عن المظاهرات التي امتدت لأكثر من مدينة في البلاد ، يظهر المتظاهرون الإيرانيون وهم يضرمون النيران في صور رموز النظام في إحدى اللافتات المعلقة على جسر بأحد شوارع 'مشهد'.
وهو المشهد الذي عده مراقبون مؤشراً على حالة الانعتاق التي وصل إليها المتظاهرون، وعلى السقوط المدوي للرمزية لنظام الملالي.
ويربط مراقبون بين حرق الصور والتطور في لهجة الشعارات التي يرددها المتظاهرون، مشيرين إلى أنها تدلل على وصول الحركة الجماهيرية إلى حالة اللاعودة بعد ارتفاع سقف المطالب في الشارع الإيراني.
فالشعارات التي رفعها متظاهرو مشهد الجمعة، وترددت أصداؤها في العاصمة الإيرانية طهران ومدن ورشت، وساري، وقم، وتبريز، وأروميه، وكرمانشاه، وهمدان، وخرم آباد، وقوجان... للتضامن مع انتفاضة أهالي المدينة، تشير هي الأخرى إلى أن الأمر تعدى الشكل المطلبي إلى آفاق أخرى.
وهي الآفاق التي تشكفها شعارات: 'أيها الملالي استحيوا، واتركوا الحكم'، و'اترك سوريا وفكر في حالنا'، و'الحرية أو الموت'، و'الخبز والعمل والحرية'، والتي يمتزج فيها الخطاب المطلبي اليومي والعادي بتوفير العمل والخبز، مع مطالب أخرى تطالب برحيل من أفقدوا الشعب الإيراني حقوقه الحياتية.
فالآلاف الذين تظاهروا في مشهد كانوا يرددون بكل جرأة وتحدٍّ للآلة القمعية الضخمة لنظام الملالي أن 'الموت للديكتاتور'، و'لا تخافوا كلنا متحدون'، في إشارة إلى أن الحركة الاحتجاجية التي انتظمت المدن الإيرانية حطمت حواجز الخوف للدرجة التي أحالت صور رموز أحد أكبر النظم الديكتاتورية في العصر الحديث إلى رماد يتساقط من على جسور شوارع مشهد.
النظام الإيراني يحشد أنصاره لمواجهة الاحتجاجات
نزل آلاف المؤيدين للنظام الإيراني للشوارع لمساندته في مواجهة المظاهرات المنددة بالنظام والمتواصلة منذ الخميس والآخذة في الانتشار.
وقالت وكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية إن أكثر من 1200 نقطة في جميع المحافظات الإيرانية شهدت اليوم خروج "جماهير غفيرة" لإحياء ما وصفته بالتصدي للفتنة التي أعقبت انتخابات عام 2009.
وأضافت الوكالة أن الآلاف احتشدوا في طهران "مرددين شعارات تدعم الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه"، وأنهم طالبوا بإدانة قادة "فتنة 2009"، وجددوا البيعة للولي الفقيه (المرشد الأعلى علي خامنئي) معلنين استعدادهم للدفاع عن الثورة ونظامها الإسلامي، حسب تعبيرها.
وأظهر التلفزيون الحكومي مسيرات حاشدة في طهران ومشهد ومدن أخرى، حيث حمل المحتشدون لافتات لدعم خامنئي، كما اعتبر الحرس الثوري -عبر وسائل الإعلام الرسمية- أن هناك جهودا لتكرار المظاهرات ضد النظام، مضيفا أن "الأمة الإيرانية لن تسمح للبلاد بأن تتأذى".
وفي كلمات ألقيت بالمناسبة، أكد المتحدثون أن "أعداء الثورة" يخططون لزعزعة الأوضاع، ودعوا الحكومة لاتخاذ إجراءات اقتصادية حاسمة لمواجهة "الحرب الاقتصادية" المفروضة على بلادهم.