تحول من نملة إلى ديناصور".. هكذا أصبح الفساد في العراق منذ إسقاط صدام حسين

في العالم، يتقاذف كل من السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية وهيئة النزاهة، الكرة في ملعب الآخر في عملية محاربة الفساد، ويرى المحلل السياسي هشام الهاشمي أن الموضوع ما زال "نظرية بحتة".
 
قبل إعلان النصر النهائي على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مطلع كانون الثاني/ديسمبر، قال رئيس الوزراء حيدر العبادي إن المعركة القادمة ستكون ضد الفساد.
 
وأقرّ العبادي قبل أيام بأن المعركة ضد الفساد ستكون قاسية وأن الإجراءات تسير على قدم وساق وهناك قوائم قيد التحقيق "وسنفاجىء الفاسدين".
 
لكن الهاشمي يؤكد أن لا شيء سيتغير "ما لم ترفع الحماية عن أغطية الفساد المسيطرة على مفاصل اقتصاد وأمن وعسكر العراق".
 
وترى النائبة في البرلمان العراقي ماجدة التميمي أن "الفساد وصل إلى مرحلة ديناصور بعدما كان نملة" منذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لإزاحة نظام صدام حسين عام 2003.
 
وتقول "من المؤكد أن الموضوع صعب وأشرس من الحرب على داعش".
 
وتوضح "كل الأحزاب لديها فاسدون ولا أتصور يوجد حزب بدون فاسدين، هناك نسب تتراوح حول طبيعة الاستحواذ على السلطة"، مضيفة "إذا كان الفاسدون من داخل حزبك، فالحرب ستكون شعواء وتحتاج إلى دعم دولي وداخلي من الأحزاب نفسها لمكافحته".
 
وتسيطر الشكوك حول إمكانية القيام بأي شيء ناجع وحاسم.
 
وقال أحد السياسيين لمجموعة من الصحافيين ساخراً إن المسؤول الذي يسرق مبلغاً أقل من 60 مليون دولار، ينظر إليه بأنه نزيه، عندما يكون الحديث عن فساد على مستوى عالٍ".
 
إهدار ثلاثة أضعاف موازنة البلاد
 
ويقول النائب رحيم الدراجي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان، إن هناك أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي، وتسلمت شركات وهمية نسبة تتراوح بين 30 الى 60 % من الأموال استناداً إلى هذه العقود.
 
ويؤكد أن كمية الأموال التي أهدرت في مشاريع بناء وبنى تحتية، على الورق فقط، بلغت 228 مليار دولار، مشيراً إلى أن هذه المبالغ "تطايرت مثل الدخان".
 
وتفوق هذه الأموال بثلاث مرات الموازنة الوطنية وإجمالي الناتج المحلي للبلاد.
 
ويرى خبراء أن هذا الفساد الهائل يساعد على تفسير النقص الهائل في الخدمات وتدهور البنى التحتية وتدهور التنمية الصناعية والزراعية.
 
وعلى الرغم من الموازنات الانفجارية التي تحققت من بيع النفط، لا يزال العراق يستورد الكهرباء والمنتجات النفطية، علما أنه ثاني بلد منتج للنفط في منظمة أوبك.
 
وباتت البلاد خالية بشكل شبه كامل من مشاريع الصناعة والزراعة، وتعتمد بغالبية مطلقة على الاستيراد، وهو ما يعتبره مراقبون نتيجة حتمية لاستشراء الفساد.
 
وما أنجز من مشاريع داخل البلاد تم عبر مبالغ طائلة من خزينة الدولة تضمنت كمية ضخمة من الرشى.
 
ويقول النائب الدراجي إن وزارة الدفاع العراقية تعاقدت مثلاً على شراء 12 طائرة من شركة تشيكية بقيمة تبلغ 11 مليون دولار، "لكن دفعت رشوة قيمتها 144 مليوناً"، ويقول ساخراً "أي سَرَقنا"، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.
 
الإفلات من العقاب
 
ويقول مصدر حكومي إن السلطات تستعين بمحققين من مؤسسات غربية ومن بعثة الأمم المتحدة لتتبع عمليات تهريب وغسيل الأموال.
 
ويوضح المتحدث باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار بيرقدار أن "هناك فاسدين دينوا بقرارات قضائية وصدرت أحكام عقابية بحقهم وفق القانون، ولكن شملهم قانون العفو العام الذي شرعه مجلس النواب".
 
وبين هؤلاء الذين تمكنوا من الفرار من البلاد، محافظ البصرة ماجد النصراوي الذي اتهمه عبدالله عويز، أحد أبرز المقاولين في البلاد، في لقاء تلفزيوني بالمطالبة بنسبة 15 % من قيمة كل مشروع يخصص 5 % منها إلى حزبه وعشرة في المئة تذهب إلى جيبه.
 
ودعت هيئة النزاهة إلى تشديد العقوبة على المتهمين بالفساد، وطالبت بوقف شمول المتهمين بالعفو.
 
واتهم قاض مختص بالنزاهة السلطة التنفيذية بالوقوف وراء الاخفاق في اعتقال المسؤولين عن الفساد بعد إصدار أوامر قضائية ضدهم.
 
ويقول بيرقدار "التشريع الذي صدر العام الماضي شمل المتهمين بالفساد، في حال أعادوا المبالغ التي سرقوها أو التي تسبب اختلاسها بأضرار".
 
ويرى مصدر قضائي أن "التشريع غير منصف، فمن سرق مليارين على سبيل المثال قبل عشر سنوات والآن أصبح لديه عشرون ملياراً، يدفع المليارين ويغادر السجن".
ويضيف ساخراً "إنها بمثابة قرض مصرفي"