في الأردن ... هناك ما هو اغلى من لقمة العيش
في الأردن ... هناك ما هو اغلى من لقمة العيش
خالد فخيدة
يجسد الأردن دوما لوحة عالمية فريدة في مواجهة التحديات. وأساس هذه اللوحة وحدة الدم والموقف التي تنسج مشهدا يحسدنا عليه العالم، وحدة وطنية مسلحة بالعزيمة والارادة، وتعايش سلمي يجمع المسلم والمسيحي دوما على الحلوة والمرة.هذا المشهد الذي ابهر العالم في اكثر من موقف ساخن واجهه الأردن له أسبابه الفطرية وايضا البناء النفسي للمواطن من قبل القيادة الهاشمية ووارثي نهضتها منذ تأسيس الامارة قبل نحو قرن من الزمان. وأساس هذا البناء كان التسامح الذي شاهدنا واحدة من حلقاته قبل أيام في تنازل عائلة شابين من عشيرة المجالي قضيا في حادث سير عن كافة حقوقهم والعفو عن المتسبب. ولولا رسالة الايمان بالله التي حملها الهاشميون عن جدهم النبي العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما كان التسامح سمة القيادة التي اقتدى بخلقها الأردنيون، وعززت وحدتهم ليكونوا حقا كالبنيان المرصوص. وتاريخ الثورة العربية الكبرى سجل انها اوقدت قناديل الحرية وأخرجت اهل بلاد الشام من ظلم وواصلت رسالتها مخرزا في كف قوى الاستعمار، واستمرت في نضالها من اجل احقاق الحق واعادته الى اصحابه بدليل الموقف التاريخي الذي يسجله جلالة الملك عبد الله الثاني وشعبه الاردني الوفي في مقاومة القرار الامريكي لتهويد القدس وتجريدها من هويتها العربية والاسلامية. في هذه المجابهة التي احتشدت فيها ١٢٨ دولة خلف خادم اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الملك عبد الله الثاني ضد قرار الرئيس الامريكي ومن والاه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كشف الاردنيون عن معدنهم الاصيل. لقد نسوا ضنكهم الاقتصادي واوضاعهم المعيشية الصعبة واعلنوا استعدادهم لمعركة شد الأحزمة على البطون من اجل الاقصى ومقدسات قبلتهم الاولى ومهد نبيهم عيسى عليه الصلاة والسلام. ولأجل القدس تجاوز الاردنيون كل خلافاتهم الداخلية، ورصوا الصفوف، وحرصوا على أن لا يتركوا فرجة لشيطان يشغلهم عن هدفهم الأسمى حماية الاقصى ومقدسات مدينة السلام. ما يشغل الأردنيين حاليا ليس انقطاع المساعدات الامريكية وغيرها، وانما كيف يكونون خلف مليكهم وقائدهم الذي شاهدوه بالأمس جنديا في تدريب ميداني لقواتنا المسلحة الباسلة ومددا له لاسقاط القرار الامريكي وابطال مفعوله إسرائيليا. الاسرائيليون جربوا في الكرامة ماذا يعني شعار «الموت ولا المذلة» وعرفوا في هزيمتهم الساحقة ان «لحم الأردني مر» وان النصر في ساحات الوغى لأسود الجيش العربي المتسلح بـ «الله أكبر». والاردنيون لم ترعبهم يوما افلام الأكشن التي تصنعها هوليود، واذا كان في امريكا ارنولد شوازنجر واحد فالاردنيون لديهم آلاف النسخ من (صخر وصقر وضرغام وعدوان وغيرهم) ممن تنطبق صفاتهم على اسمائهم. اما قائدهم، فجلالته ليس طالب عرش او زعامة، ومن شاهد كفاءة الملك عبد الله الثاني في التدريب العسكري الأخير، يدرك ان جلالته صاحب رسالة قوامها الانسانية والتسامح وانه عاهد الله ان يحميها ويحافظ على ديمومة دورانها بين شعوب الأرض بالدم والروح.
المقام يفرض استحضار ذلك العهد الذي اطلقه الملك عبد الله الثاني قبل سنوات بأن احد لا يستطيع ان يفرض على اردن الكرامة والمجد اي حل للقضية الفلسطينية على حساب امنه ومستقبله.
ولذلك الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ليس مصلحة فلسطينية فقط، وانما اردنية عليا تتقدم على لقمة العيش.