بإيجاز: أهمية مؤتمرات القدس....

 

د. عزت جرادات

تذكرنا المؤتمرات المحدودة العدد التي عقدت بشأن قضية القدس، بزخم المؤتمرات المصغرة والمكبرة، التي كانت تعقدها الصهيونية للترويج لفكرة (الدولة اليهودية) التي رسم معالمها (ثيودور هرتزل) في كتابه الموجز الذي يحمل ذلك الاسم، لقد كانت تلك المؤتمرات موضع (سخرية) في المجتمعات الأوروبية، فقد أثبت دعاة الصهيونية قدرتهم في الإصرار على عقد تلك المؤتمرات بهدف تحويل (الدولة اليهودية) من فكرة ينادون بها، إلى موضوع جوهري يشغل الساحتيْن الإعلامية والسياسية في أوروبا، وأدت تلك المؤتمرات، بعد الجهود الصهيونية، سياسياً وإعلامياً، إلى تحويل (الفكرة) إلى (قضية) واكتسبت القضية تعاطفاً واهتماماً في تلك المجتمعات، على الرغم من أن بعض الآراء والاتجاهات كانت ترى في ذلك (خلاصاً) من (يهود أوروبا) وواصل زعماء الصهيونية، المتدينون والعلمانيون، الترويج للقضية، تجاوزت الخلافات حولها بهدف (توحيد الهدف) وتنويع الأساليب.

وتشدنا المؤتمرات المحدودة العدد بشأن قضية القدس إلى إعادة النظر في التعامل مع القضية، فكثيراً ما سمعنا من ردود أفعال حول تلك المؤتمرات، بعضها كانت تعبر عن الإحباط أو خيبة الأمل في الارتقاء إلى مستوى طموحات الشعوب في تحرير القدس، وكأن قضية القرن أو على الأقل قضية الاحتلال يمكن أن تحل دونما إعداد وتخطيط، بعد سبات عميق للأمة، وفي ظل واقع عربي- إسلامي لا يحتاج إلى التعريف بأوضاعه، وفي إطار نظام عالمي ودولي يتعامل مع مختلف القضايا بازدواجية المعايير، وتبادل المصالح بين الدول، أن قضية القدس أحوج ما تكون اليوم إلى إبقائها حية على الساحتيْن السياسية والإعلامية، عربياً وإسلاميا ودولياً، فتصبح المؤتمرات المتواصلة في معظم العواصم العربية والإسلامية والعالمية، وبخاصة الأوروبية والأمريكية، من أجل القدس والتعريف بقضيتها، تصبح هذه المؤتمرات ضرورة في المرحلة الراهنة، كما تصبح الندوات والمؤتمرات في المؤسسات الأكاديمية لإلقاء الأضواء على مخاطر الاعتداءات الصهيونية على القدس والمقدسات، المسيحية والإسلامية تصبح من الفعاليات والأنشطة الجامعية تعبيراً عن ترسيخ لدى ضمائر الشباب الجامعي في أكثر من ثلاثمائة جامعة عربية– وأكثر من ألف جامعة في الدول الإسلامية، ويدعم هذا التحرك المجتمعي الشامل نهجا إعلاميا يوظف معطيات تلك الندوات والمؤتمرات في رسالة إعلامية مؤثرة ومعبرة عما يجري في تلك الندوات والمؤتمرات.

أما من الناحية السياسية، فإن قضية القدس تتطلب الارتقاء بها فوق مستوى السباق بالادعاءات بدعمها، فالدعم الحقيقي يتحدث عن نفسه، في أعمال الإعمار والصيانة للمقدسات في القدس، وفي أعمال ترميم المباني المقدسية، والحفاظ على طابعها التاريخي، وهويتها الثقافية العربية الإسلامية والمسيحية، وذلك بجهود شعبية ورسمية على المستوى العربي والإسلامي وتتطلب القضية أهمية توحيد الرؤية والرسالة والأهداف على الساحة السياسية.

فالرؤية التي تجمع عليها الأمة تتمثل في إبراز قضية القدس، باعتبارها جوهر القضية الفلسطينية ومحورها، وأن فلسطين العربية بدون القدس لا معنى لها، كما أن القدس بدون المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، لا وجود لها.

وأما الرسالة والأهداف التي يمكن أن تلتقي عندها الأمة، وتلتقي بالفعل، فقد لخصّها الملك عبدالله الثاني في خطابه في مؤتمر اسطنبول والذي وصف (بالخطاب الأقصر والأكثر تأثيراً) ويمكن أن يضاف إلى ذلك (والأصدق تعبيراً) فقد اشتملت تلك الرسالة على العناصر التالية: لا يتحقق السلام في المنطقة إلا بحل الدولتيْن وذلك بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (1967) وعاصمتها (القدس الشرقية المحتلة)، ولا تقبل الأمة أي تغيير في هوية القدس وطابعها التراثي التاريخي والذي تحاول خطط (تهويد المدينة المقدسة) تحقيقه، وتأكيد عدم الاعتراف الدولي بأي تغيير تقوم به سلطة الاحتلال في واقع المدينة المقدسة، ودعم الأردن بموافقه وتحمله مسؤولياته التاريخية باعتباره حامل الوصاية الهاشمية (وحامي القدس والمقدسات الدينية فيها)، وأخيراً إن أي اعتراف بالقدس، عاصمة لإسرائيل يمثل اعتداءً على الأمة العربية والإسلامية وتجاهلاً للمجتمع الدولي والشرعية الدولية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة. //