السياسة الحكيمة ... والغباء السياسي !!!

 م. هاشم نايل المجالي

ان عكس الذكاء هو الغباء ولقد تم تعريف الذكاء على انه القدرة والمفاضله بين البدائل لاختيار الانسب والاسلم ولقد كرم الله الانسان بأن اعطاه ميزة العقل وبالتالي الذكاء والذي يؤدي الى القدرة على حسن الاختيار وللتعليم والثقافة والخبرة والمعرفة والتجارب الحياتية دور كبير في ذلك والشورى من اصحاب الخبرة تدعم ذلك في حسن الاختيار اما الغباء فهو الشخص الذي لا يحسن الاختيار بين البدائل المتاحة والسليمة والصحيحة والتي تجنب المصائب والازمات واسوأ انواع الغباء هو الغباء السياسي لانه لا يؤدي الى خسارة شخصية له فحسب ولكن لشعبه ايضاً فكما فعل نيرون بغبائه السياسي الذي ادى حرق روما واضعاف امبراطوريته كذلك فعل معمر القذافي في تعنته والذي ادى الى تدمير بلاده وتمزيقها ونشوب صراعات وحروب داخلية وتدخلات خارجية وتدمير للبنية التحتية والنماذج منه كثيرة ومتعددة لقادة اتسموا بالغباء السياسي بالتعامل مع الازمات السياسية التي تعصف ببلادهم بل كان الاستحمار الفكري هو العنوان الرئيسي للتعامل مع تلك الازمات فهناك من لا يقرأ وان قرأ فانه لا يفهم وبالتالي لن يتأثر الا بعد ان تقع المصيبة وها نحن نشاهد بعض روؤساء الدول الكبرى عندما يتخذ قراراً دون حسبان لما سيترتب عليه ودون مرجعية دولية بل بطريقة الغطرسة والعنجهية والفوقية وبدون اي اعتبارات انسانية .

اذن الغباء السياسي هو مصطلح يعني تصرف بعض السياسيين اياً كان موقعهم بشكل عشوائي غير مدروس وبدافع الغرور او بسبب ضعف خبرتهم العملية وضعف قدراتهم العقلية في تقييم الامور بنصابها الحقيقي مما يترتب عليه انعكاسات سلبية مدمرة فحب المغامرة من اجل اثبات الوجود والتحدي لاثبات الفوقية القسرية ودون ان يؤمن ذلك السياسي ان هناك مرفأة للنجاه والسلام ودون ان يؤمن ان هناك طرقاً للوصول الى هذا المرفأ بشكل سليم وصحيح لاحتواء الازمة وبسبب ضعف خبرته بالقيادة السليمة فانه سيتخبط بشكل عشوائي بين الامواج المتلاطمة لا محالة خاصة في ظل عدم وجود بوصلة تحدد له الاتجاه السليم ورفض شتى انواع المساعدة للنجاة وتجنب الصدام والخسائر التي تدمر ولا تعمر فكثير من الانظمة لم تطور نفسها في علاقاتها الصادقة مع الدول الشقيقة لها وبقيت على الأساليب القديمة وبنفس الفكر العقيم بالتعامل مع الآخرين غير معترفين بسوء ادارتهم او ما سيترتب على عدم حسن الاختيار الاسلم للتعامل .

والجيل الرابع من الحروب هو ان يجعل الاشقاء يحاربون انفسهم وبالتالي التقسيم الاخوي ويصبحون فرقاء يحاربون بعضهم بعضاً بينما تجني الدول الكبرى المكاسب لتدخلها من اجل الاصلاح ولاعادة المشهد بما يخدم مصالحها هذا الغباء السياسي للصراع الفكري الذي يبحث عن سبب لنشوب الفرقة والصدام اما ان يكون مخططاً له خارجياً او مقرونا ًبمصالح ذاتية كحب السيطرة واثبات الوجود واثبات قوته وهذا كله له علامات ودلالات وان واجهته في الحقائق يفرط في استخدام الحجج والدفاعات النفسية اي انه ينكر انه يرى المشهد كما تراه الاطراف الاخرى على حقيقته انما يراه كما يحب هو ان يكون ليحقق ذاته ومصالحه وليبرر اخطاءه ويعزوها الى عوامل واسباب اخرى غير منطقية كذلك فانه يسقط كل ما بداخله من مشاعر سلبية وعدوانية واطماع داخلية على الطرف الآخر ليشكل صورة جديدة يجعل من الطرف الآخر عدوانياً ويشوه الصورة ويهول الأمور ويكبرها ويضخمها لتحقيق مبتغاه وهواه في حالة عمى سياسي لجعل كافة الاطراف تتخبط في الظلام في تكرار لمشاهد سابقة لقادة سياسيين فشلوا بهذا الاسلوب العقيم ومنشقاً عن المساعي الجماعية من اجل الاصلاح وتصحيح المسار فالتعنت السياسي غباء والاستمرارية في المكابرة والتعالي والمغالطة والتحدي قمة الغباء السياسي خاصة اذا ما تدخلت اطراف خارجية لديها اطماع ومصالح وحصان طرداده عبرة لمن لا يعتبر حينها يفقد القدرة على الحوار او التقارب مع الاخرين كما كان وحينها يفقد القدرة ايضاً عن تقديم اي تنازلات ممكنة فيصبح مجبوراً على موقفه ليسعى لهزم خصمه بالضربة القاضية دون مراعاة للظروف المحيطة بالمنطقة في رؤية احادية المشهد ودون مرونة بالتعامل وليس من المنطق ايضاً الاعتقاد بضعف الطرف الآخر والتعويل على ذلك حتى وان استعان بدول ليس لها سوى مصلحتها الذاتية فهذا تفكير متمحور حول الذات مع تضخم للذات حتى يصل الى حالة من النرجسية تلغي الحلول العقلانية ويصبح لا يرى أخطاءه او يعترف بها بل يدافع عنها على انها صواب وان خصمه او الطرف المقابل يحمل الظلم المطلق والشر البائن ويفقد بالتالي مهارات حل النزاع والخلاف وهي مهارات اساسية وضرورية لمن يمارس السلطة السياسية على اعتبار ان السياسة هي فن ادارة الصراع .//

 

 

hashemmajali_56@yahoo.com