القدس تعزل ترامب

 

خطاب أردني متوازن ومحكم في مجلس الأمن

 

 

عمان - الانباط - خالد فخيدة

 

حصدت الديبلوماسية الاردنية أكلها الجمعة الماضية في مجلس الامن الدولي برفض اغلب اعضائه قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب احادي الجانب باعلان القدس عاصمة لاسرائيل.

وهذه الديبلوماسية التي تحدث عنها ممثل فلسطين في الامم المتحدة كانت السبب في تصدي فرنسا وبريطانيا ودول امريكا اللاتينية للقرار الامريكي لايمانهم بحل الدولتين الذي حمله جلالة الملك عبدالله الثاني الى العالم خلال السنوات الماضية لاحلال السلام في الشرق الاوسط.

وايدت 14 دولة عضو في مجلس الامن باستثناء الولايات المتحدة ما حذر منه الاردن بان قرار ترامب سيكون له تداعيات وخيمة ولا يحمد عقباها على المنطقة.

ومعارضة الغالبية لما صدر عن البيت الابيض استفز سفيرته لدى الامم المتحدة " نِكي هايلي " التي وجدت بلادها في عزلة سياسية لتهاجم الامم المتحدة وتتهمها بتقويض عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين وجهود زعيمها ترامب في ارساء قواعدها.

والحراك الاممي الذي ازعج واشنطن في مجلس الامن لم يأت من فراغ. فهذا نتيجة جهود قاسية بذلها جلالة الملك عبدالله الثاني على مدى اكثر من عقد ونصف لارساء السلام في المنطقة بحل عادل للقضية الفلسطينية يقوم على منح اصحابها دولة مستقلة قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.

وهذه الجهود يشهد لها القاصي والداني وقبلهم اصحاب القضية الفلسطينيون الذي ابرز ممثلهم  في الامم المتحدة يوم الجمعة الماضية رياض منصور الدور الاردني في المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس بقوله "  إن الأردن صاحب الوصاية على المقدسات وهو الحامي للمقدسات الدينية في القدس، وان موقفه القوي والصريح لقيادة الاردن تدين القرار الخطير وتؤكد على القلق المشروع للمجتمع الدولي بوضع القدس".

وهذه الوصاية التي دفع ثمن حفظ امانتها الملك الشهيد عبدالله الاول لها دلالاتها السياسية اقليميا وعالميا ويحسب لها الف حساب اسرائيليا وامريكيا. وتعلم واشنطن وتل ابيب ان الاردن سيقاوم قرار ترامب احادي الجانب وسيعمل على اسقاطه كما اجهض قبله كل المحاولات الصهيونية الاحتلالية للسيطرة على المسجد الاقصى وباحاته وفتح ابوابه امام المصلين المقدسيين والفلسطينيين بعد اغلاقه.

ومعركة القدس ومقدساتها لا تزال حاضرة حتى هذه الساعة. فقد خضع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مرتين لقرار الملك عبدالله الثاني فيما يتعلق بالمسجد الاقصى عندما حاول اغلاق ابوابه في وجه المسلمين وحرمانهم من شد الرحال اليه.

ونزوات نتنياهو في المسجد الاقصى لم تستمر اكثر من ايام معدودة اضطر بعدها لسحب قواته الاحتلالية والبوابات الالكترونية وكل المظاهر الاحتلالية في مشهد رسم فيه اهل القدس وفلسطين ومن كان معهم من مسلمي العالم بتهليلهم وتكبيرهم محطة جديدة من محطات نصرة الاقصى والحفاظ عليه من التهويد.

والوصاية الدينية على القدس التي حافظ عليها الهاشميون بالدم والنار تقدمت تركيا بصفتها رئيسة منظمة التعاون الاسلامي الى عمان لتشكيل تحالف اقليمي جديد يعيد للقضية الفلسطينية اولويتها على الاجندة الدولية ويجد من خلاله الاردن قوة اقليمية قادرة على مساندته في مواصلة المشوار من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحماية اسلامية القدس وعروبتها.

والديبلوماسية الاردنية التي نجحت في كسب انحيازات عالمية للقضية الفلسطينية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا ودول الاتحاد الاوروبي وامريكا اللاتينية لا سيما الدول المؤثرة في صناعة القرار العالمي داخل الامم المتحدة ومؤسساتها ستواجه خلال الفترة المقبلة حربا ضروسا من قبل الولايات المتحدة واسرائيل وذلك من اجل اخمادها وشل حركتها بما يمكن اسرائيل من تنفيذ قرار ترامب احادي الجانب بان القدس عاصمتها الابدية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه " الزوبعة " ، كيف ستواجه الديبلوماسية الاردنية قرار ترامب؟.

الاردن عمليا ومن خلال نشاطه الديبلوماسي يؤكد انه كان يقرأ المستقبل بمهارة سياسية فائقة. والدليل ان قائده الملك عبدالله الثاني كان على يقين بان البيت الابيض سيأتي من يجلس فيه ليتخذ هذا القرار الجاهز للتوقيع منذ نحو 22 عاما. واستباقا لاي مفاجآت سياسية امريكية تخص عملية السلام، انطلق الملك عبدالله الثاني الى كافة دول العالم خلال 15 سنة ماضية وقدم القضية الفلسطينية والقدس على حاجات الاردن على اساس حل الدولتين واقنعها بان تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة الفلسطينيين المستقلة شرطا لا يمكن التنازل عنه في المفاوضات النهائية مع اسرائيل. والعزلة التي شعرت بها الولايات المتحدة الامريكية ورئيسها ترامب في مجلس الامن الدولي بعد ادانة اغلب اعضائها لقراره احادي الجانب كفيل بتفسير حجم النجاحات التي حققتها ديبلوماسية الملك عبدالله الثاني في دعم القدس والفلسطينيين وتمكينهم من دولتهم المستقلة.

ولتفادي اي اتجاهات مضادة انطلق الاردن لترتيب علاقاته الدولية بما لا يسمح لاي ضغوط امريكية للتأثير عليه فيما يخص انهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي خلافا لقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين والحفاظ على اسلامية القدس وعروبتها.

والمواجهة الاردنية لقرار ترامب تفسر حاليا توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني خلال السنوات الماضية للحكومات بضرورة تكريس سياسة الاعتماد على الذات. ولذلك يعي الاردن بان ثمن معارضته لقرار امريكا احادي الجانب سيكون بتقنين المساعدات المخصصة له او حتى حجبها عنه.

الاردنيون هبوا شيوخا ورجالا وشبانا ونساء واطفالا لنصرة القدس والاقصى ومقدساته الاسلامية والمسيحية، وافتخار مليكهم بهم في تغريدة تويتر انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصال على الهواتف الخلوية مثل النار في الهشيم رسالة بان الاردن مع القدس وعروبتها حتى آخر نفس.//