النواب والحكومة.. بئس المساومة

 بلال العبويني

المشهد الذي بدا عليه مجلس النواب أمس، تكرر كثيرا خلال السنوات السابقة، وتحديدا في مثل هذا الوقت الذي تدفع فيه الحكومة مشروع قانون الموازنة العامة لمجلس النواب، حيث يبدأ النواب الصعود إلى أعلى الشجرة، ومن ثم ينزلون هرولة بـ "عرق يابس" يحملونه على أنه الغنيمة الكبرى.

لا لرفع الضرائب، لا لرفع الأسعار، لا لرفع الكهرباء، لا لرفع الخبز، هذه اللاءات وغيرها سمعناها من غالبية النواب خلال اليومين الماضيين، وثمة من وصف موقف من أصدر تلك اللاءات بالتاريخي وقال إنه يستحق الإشادة والدعم.

لم ننبس ببنت شفة، حيال ذلك ولا حيال المذكرة النيابية التي وقعها قرابة الخمسة وتسعين نائبا، رافضين مناقشة مشروع الموازنة إلا بعد التراجع عن رفع أسعار الخبز والكهرباء، لأننا كنا على قناعة أن العدد سيتناقص وسيتملص الكثيرون ممن وقعوا على المذكرة التي سيخرج منهم من يقول إنه وقع عليها مجاملة لزملاء له أو أنه لم يكن على دراية بتفاصيل مضمونها أو أنه انسحب منها بعد السخاء الذي أبدته الحكومة في تراجعها عن قرارات الرفع ومنحها دعما نقديا للمستحقين.

الاتفاق الذي انتهى إليه اجتماع الحكومة برئيس مجلس النواب وأعضاء اللجنة المالية أمس، وبعد الانتهاء من الوليمة التي دعا إليها الوزير ممدوح العبادي في منزله إلى تقديم دينارين شهريا كامل فصل الشتاء دعما للمستفيدين من صندوق المعونة الوطنية بدل رفع الكاز، واستمرار إعفاء الشقق التي تقل عن 150 مترا من رسوم التسجيل واستثناء شريحة 160 واط من رفع تعرفة الكهرباء، واللجنة المالية النيابية هي من تقرر آلية توزيع الدعم بدل رفع الخبز.

والسؤال، ما الفرق الذي يمكن لدينارين أن يحدثه في حاجة فقراء المعونة الوطنية للتدفئة بالشتاء، وما الذي يستفيده فقراء البادية والأرياف وغيرهم من استمرار إعفاء الشقق من رسوم التسجيل، بل كم هي نسبة الذين يشترون شققا وتحديدا من شركات الإسكان من مجموع الأردنيين المتضررين من قرارات الحكومة.

ثم إن شريحة 160 واط، هذه تكاد تشمل جميع الأردنيين، فأفقر العائلات تستهلك هذه الكمية من الكهرباء وتحديدا في فصل الشتاء، فأي إنجاز بعد إذن ممكن أن يخرج النواب ليبشروا فيه قواعدهم الشعبية، وأي انجاز هذا الذي سيجدونه مبررا للنزول عن الشجرة التي صعدوا عليها؟.

إن كانت قضية اللجنة المالية مع الحكومة تنحصر في من يقرر آلية توزيع الدعم بدل رفع الخبز، فبئس القضية التي يحملونها، لأنه عندما يعجز المواطن عن أكل الخبز فإنه لن تفرق معه من الذي قرر آلية صرف الدعم من عدمه، فالأمر سيكون سيان فيمن تآمر عليه، مثلما قال النائب خالد الفناطسة بعد انتهاء اجتماع النواب بالحكومة أمس في مجلس النواب.

قلنا، إننا لم ننبس ببنت شفة، ولم نتفاعل أو نتفاءل مع المذكرة، لأننا كنا على قناعة أن النتيجة ستكون مشابهة ومكررة عن مساومات سابقة بين الحكومة والنواب، وأن مجلس النواب كمجموع، لن يخرج من جلده ليحدث ما هو خارق.

بالطبع، هناك نواب سيظلون منحازين للفقراء والمعدمين، لكن هؤلاء لن يشكلوا فرقا، ولذلك ستمضي الحكومة في قراراتها كما خططت لكي تصل إلى النتيجة التي رسمتها من قبل، لكن المؤسف أن كلتا المؤسستين التنفيذية والتشريعية تساومان بعضهما البعض على قوت النس وبؤسهم وفقرهم. //