أزمة النظام السوري

أزمة النظام السوري

 

 

مروان العمد

لم يحسن النظام في سورية التعامل مع حركة الاحتجاجات التي جرت في سورية في عام ٢٠١١ حتى ما كان منها طفولي وصبياني مثل ما قام به أطفال درعا. وقد ارتأى النظام ان استخدام العنف والقوة المفرطة كفيل للتصدي لهذه الحركة من الاحتجاجات ووأدها في مهدها. ولم ينتبه النظام الى ان ما يجري له خيوط تم حبكها بإتقان وكتمان لإشعال النيران في سورية. وظل يبرر ان موقفه بأنه ليس كباقي دول الربيع العربي وانه لا يمكن ان يكون مصيره مصيرها والذي انتهى خلال ايّام قليلة مثلما حصل في تونس ومصر. وربما اثبت النظام انه كان على بعض الحق في ذلك والدليل انه لا يزال موجوداً على الارض السورية وان لم يكن كلها . لكن ما أظن انه كان يدرك حجم ثمن هذا الصمود سواء على المستوى الشعبي او المستوى الأمني ومقدار الخسائر التي تعرضت لها سورية سواء من حيث عدد القتلى او الجرحى او الهاربين من نيران القتال الى نيران الذل في بلاد الاغتراب والهجرة .او في مجال التدمير الذي طال بنيتها التحتية و الفوقية سواء في المناطق التي لا زالت تحت سيطرة النظام او التي وقعت بين أيدي التنظيمات المسلحة المختلفة التي ظهرت على الارض السورية.

 

لم يحسن النظام التعامل مع هذه الحالة وتصور انه باستخدام القوة فإن الأمور ستعود اليه وسوف يقضي على حركة الاحتجاجات . ولكن هذه الاحتجاجات أصبحت اشتباكات وأعمال عسكرية وانشقاقات عن الجيش والأجهزة الأمنية وظهور ما أطلق عليه الجيش الحر وقيام بعض المكونات السياسية في سورية مثل الاخوان المسلمين بالتحول للعمل العسكري بعد ان وجدت من يقوم بتوفير التمويل والتزويد لها بالسلاح والمال. وقيام العديد من الدول الإقليمية والدولية واجهزتها الاستخباراتية بأنشاء العديد من المنظمات المسلحة وبمختلف الأسماء وتزويدها بالسلاح والمال وذلك اما على أسس أثنية وعرقية مثل استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد في سورية وتسليحهم ودعمهم لتحقيق مصالح لها من خلالهم، او قيام تركيا بتشكيل تنظيمات مسلحة من ذوي الأصول التركمانية ليكونوا ذراعاً لها لفرض اجندتها داخل المعادلة السورية. او استغلال التوجهات الدينية او المذهبية او العقائدية من أطراف خارجيه وتحويلها الى تنظيمات مسلحة. او من خلال العناصر المأجورة والتي تتعامل بالقطعة وحسب رغبه الممول . مما مكن هذه التنظيمات من السيطرة على مناطق مختلفة من سورية ونزعها من تحت يد السلطة .

كما لم يحسن النظام التعامل مع ظهور التنظيمات الإرهابية في سورية والتي ترك لها الحبل على الغارب لكي تُمارس إرهابها في مناطق مختلفة في محاوله منه لأقناع العالم ان الحرب معه هي ارهاب وان حربه مع المعارضة هي حرب على الاٍرهاب ، هذا اذا لم يكن له دور في خلق هذا الاٍرهاب سواء بصوره مباشرة او غير مباشرة . وقد تمكن هذا الاٍرهاب المتمثل بتنظيمي داعش والنصرة من السيطرة على مناطق واسعه من سورية بحيث أصبحت المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام تكاد لا تبلغ ثلث مساحه البلاد .

وبعد ان أخذ النظام يترنح من ضربات المعارضة وبعد ان أخذ يفقد المزيد من الارض فأنه قد قام بعقد تحالفات تسانده في قتاله مع المعارضة . وهو هنا لم يبحث عن عمقه القومي العربي كحامل لواء هذا العمق من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي او من خلال عمق الممانعة والصمود الذي يرفع لواءه ، بل وللأسف فقد ذهب الى عمق مذهبي ديني فبحث عن المساندة في طهران وبغداد حيث زودته طهران بحرسها الثوري وفيلق القدس وجنراله قاسم سليماني ، وحيث زودته بغداد بمليشيات حشدها الشعبي الشيعي ، بالإضافة للتدخل المباشر من حزب الله اللبناني والعديد من المتطوعين الشيعة من مختلف أماكن تواجدهم في العالم ، مما رهن الامر السوري السياسي والعسكري للمرجعية الدينية في قم وطهران الى ان أصبحت سورية ولاية من ولايات الولي الفقيه .

 

كما ان النظام في سورية ألقى بنفسه في الحضن الروسي الذي انطلق من قاعده حيميم ومن اللاذقية للدفاع عن مصالحه وتواجده في المنطقة بعد ان تعرض للخديعة الغربية في مناطق أخرى. وليبقى بالقرب من مخزون الغاز الطبيعي في باطن البحر الأبيض المتوسط خشية وقوعه في يد الغرب فتفقد روسيا ورقه هامه من أوراق سيطرتها على منطقه القرم وما حولها من خلال قوه أنبوب غازها هناك. وقامت روسيا بتقديم الدعم العسكري والسياسي والدولي للنظام مما ساعده على الثبات في مواقعه ثم العودة للتمدد واسترداد الكثير من المناطق التي كان قد خسرها. ولكن كان على سورية ان تسلم رايتها السياسية والدولية لروسيا فأصبحت هي التي تفاوض باسمها وهي التي تقرر باسمها. فهي تحدد اتفاقات وقف إطلاق النار ومناطق التهدئة والتصعيد وسير المعارك والتحالفات تم سير المفاوضات وأماكنها وأطرافها . فهي صاحبة القول في مفاوضات جنيف وهي التي أوجدت مسار استانا لعزل الجانب العسكري للمعارضة عن المسار السياسي في جنيف . ثم طرحت فكره عقد اجتماع لكافة فصائل المعارضة في قاعدة حميميم ثم تحول اللقاء الى مدينه سوتشي الروسية على البحر الأسود .

ثم كان الموقف التركي الذي كان هو الداعم الرسمي والاكبر للمعارضة السورية بجميع تنظيماتها وكانت حدوده المعبر الرسمي لجميع التنظيمات في سورية بما فيها الإرهابية وبالاتجاهين . وهي المعبر الرسمي للأسلحة والتموين لهذه التنظيمات . وكانت النظرة الاولى لهذا الموقف التركي هو رغبته في الانتقام من النظام السوري لدعمه عبدالله اوجلان وحزب للعمال الكردستاني وحلم أردوغان في إعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية ليتضح فيما بعد ان ما كان يسعى اليه هو زيادة نفوذه في المنطقة عن طريق الورقة السورية الى ان تمكن من تصفية جميع اعدائه الداخليين من عسكريين وسياسيين باتهامهم بانقلاب طفولي فاشل . والى ان تمكن من تحقيق حلمه لأن يصبح الحاكم بأمره المطلق الصلاحية من خلال إقرار التعديلات الدستورية التي تتيح له القيام بهذه الهمه لسنوات عديدة قادمة . وعندها تغيرت أولوياته وأصبح همه ان يلجم الخطر الكردي القادم اليه عبر الحدود السورية ومن خلال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ( YPD ) ووحدات حمايه الشعب الكردي (YpG ) وقوات سورية الديمقراطية والدعم الامريكي لهما . فقام بتغيير بوصلته وانضم للحلف الروسي الإيراني ليصبح هذا الثلاثي هم من يقررون المستقبل السوري متخلياً عن دعمه للمعارضة السورية مقتصرا بذلك على قوات درع الفرات المكونة في معظمها من المكون التركماني بالإضافة الى بعض وحدات الجيش الحر مع استخدام ورقه تنظيم النصرة الذي نجح في جمعها بمحافظه أدلب لتكون الورقة التي يقايض بها مقابل وقف الدعم الامريكي لأكراد سورية واعتبار قواتهم تنظيمات ارهابيه وامتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK ) .

وفِي خضم ذلك كله أعلن عن عقد لقاء ثلاثي يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي طيب رجب أردوغان والرئيس الإيراني محمد خاتمي والعنوان واحد وهو الوضع في سورية والهدف وضع الخطوط العريضة لحل الأزمة السورية في غياب العريس والعروس وذويهما واقاربهما ومن يديرون شؤنهما وجميع الشهود . وكان مكان الاجتماع المزمع عقده بتاريخ ٢٢ تشرين الثاني عام ٢٠١٧ في مدينه سوتشي الروسية الواقعة على البحر الاسود تمهيداً لعقد مؤتمر موسع يجمع جميع أطياف المعارضة السورية مع النظام في هذه المدينة بوقت لاحق يتم فيه تسويه الأوضاع وتوزيع الارزاق. وعن سوتشي واجتماعاتها وما بعدها حديث آخر.