عندما يكتمل المشهد ... !!!

 المهندس هاشم نايل المجالي

الاسرة تعتبر النواه الاجتماعية الاولى التي تلعب الدور الاساسي في بناء اولادها منذ الطفولة حيث توفر لهم الدعم المادي المتمثل بالمسكن والمأكل والملبس والثاني الدعم المعنوي من قيم ومباديء واخلاق اي التصور الكامل للوجود من تصور للمقبول وللمرفوض للايجابي وللسلبي للحق وللباطل اي بمثابة البوصلة الوجودية الحياتية اللازمة لمسيرة الفرد في الحياة والفرد يلقى ايضاً الخدمة من المجتمع الذي يعيش فيه فالامر لن يكون بدون ثمن فهو مطالب باعادة انتاج هذا النموذج الاجتماعي المثالي الايجابي اما اذا خرج عنه فسيعتبر ذلك نكران للجميل لن يغفر له احد فهناك عقاب لكل من يخرج عما تم تسطيره من قوانين وانظمة وتشريعات اي ان هناك حدود وقواعد اذا تم تجاوزها فان ذلك سيؤدي به الى المحاسبة او التهميش والاقصاء من قبل كافة الجهات اي ان الانسان يولد كمادة خامة او مادة اولية ويبدأ يتشكل تدريجياً من ثقافة الاسرة وفق تلك المعايير وحسب نوع البيئة الاسرية والمجتمع الذي ينتمي اليه الفرد ابتداء من النطق والدين والعادات والتقاليد واللبس والاكل وطريقة الاكل وهكذا حتى تتشكل شخصيته وفق نمط معين او محدد يرتهن مستقبله وفقه .

وبالتالي فان الواجب الاخلاقي لا يصدر من العقل فقط بل اصبحت هناك سلطة خارجية الا وهي سطلة المجتمع فاذا كان الواجب الاخلاقي يضع حدوداً فاصلة بين النافع والضار وبين الفضيلة والرذيلة بين الخير والشر فانه سيواجه نموذجاً وسلوكاً مغايراً وفق طبيعة وسلوك ابناء المجتمع الذي يعيش فيه وهو بيئته وحاضنته التي تعيد تشكيله فالمجتمع ايضاً مصدر قيمنا وعاداتنا وانماط سلوكنا واصبح يضع الميزان والمعيار الذي من خلاله نصنف الاعمال والواجبات التي يجب ان نقوم بها والسلوكيات ايضاً فهناك ضمير اخلاقي وهناك ضمير مجتمعي حيث ان المجتمع اصبح سلطة متعالية على الفرد يكون شخصيته ويذوب فيه يضاف على ذلك ثقافة العالم الافتراضي التي بدأت تصول وتجول بافكارهم وتغير من نمط سلوكياتهم وعاداتهم فاصبح هناك واقع افتراضي جديد اسري ومجتمعي سواء كان مقبولاً او تظهر مرفوضاً ان تأثير الثقافات العالمية المتعددة والمتنوعة بدأت تتظهر على شبابنا في سلوكياتهم وعاداتهم ونمط حواراتهم وتعليقاتهم على كل حدث فهناك من يعتبرونه فيلسوف دولة اي مدافع عن مواقف وقرارات الدولة وسلوكياتها السلبية اتجاه المواطنين كذلك يدافع عن مصالح رجال الاعمال ونجد هناك من ينقد قرارات الدولة وسلوكيات رجال الاعمال والفساد والاستغلال وغيره لينقسم المجتمع بين فريقين في الاسرة والمجتمع والدراسة والمجالس خاصة في ظل زيادة نسبة الفقر والبطالة وانتشار المخدرات فلقد انعدمت المسافة الهامة والضرورية للكثيرين من اجل التميز بين ما هو صح وما هو خطأ فبأسم التجديد يتم العبث بالقيم والمباديء والاخلاق والعادات والسلوكيات في حالة تقهقر وتراجع الى الوراء على اعتبار انها ضد الهوية الوطنية الاصيلة لتزداد التحديات صعوبة فهناك استبصار وهناك تبشير وهناك تنوير وهكذا تتابع الحلقات ومظاهر الاستعجال الفكري حيث اصبح التفكير لدى هذا الجيل على السريع بسبب الميديا ( التكنولوجيا الحديثة للتواصل ) المفتعلة افتعالاً التي لا تحتاج الى جهد كبير فاصبح مفكراً جاهزاً مطبوخاً فالباب مشرعاً والطريق سالكة دون قيود او اشتراطات لتربك الاسرة والمجتمع والدولة لتحدث نوعاً من الفوضى هشاشة تضرب كل شيء فهناك غش ثقافي تنشر في زوايا المشهد فهناك فضاء بادوات معرفية وحوار دون استقواء ليفرض الكثير من الخيارات فهو عالم فضائي كمستنقع موبوء بالفلاشات الفكرية الخاطفة بيئة تعشعش فيها الحوارات والضوضاء حيث بنقرة واحدة على الكيبورد نجد اكثر من حل وليصبح التويتر ومواقع التواصل الاجتماعي مقبرة للكفر المتأمل ومن خلاله تنكشف كل اعطابنا وامراضنا وغشنا النفسي والمجتمعي فنجد الفرد يقبع صامتاً وبكتمان شديد امامه لا يحتاج لتحليلات معقدة فلك ان تختار خصمك السهل لتحاوره وتفوز عليه ليوفر لك الحلول والشهرة دون ضريبة وهناك يصيب الفرد فقر اللغة والامية الفكرية والقحط الفكري والجفاف الفكري بصورة اشهارية صورية جميلة بسطوة ناعمة بضربة شاطر على الكيبورد تولد ارتدادات واسعة وتعصف بالعقل بكل مكوناته الاسرية والمجتمعية والوطنية وهكذا يكتمل المشهد الثقافي من ايجابي ذو مضمون الى سلبي ذو اطار بدون مضمون خلقي او ايجابي .

 

hashemmajali_56@yahoo.com