ديمقراطية عرجاء

ديمقراطية عرجاء

 

بلال العبويني

ظاهرة الانتخابات، بشكل عام تشكل أعظم ما جاءت فيه الديمقراطيات بالعالم، لاعتبار بسيط أنها تفرز الأكفأ والأقرب إلى الناس والأقدر على تحقيق تطلعاتهم وآمالهم في المركز الذي يتنافس عليه المرشح مع الغير وفقا للبرنامج.

هذا هو الأساس، والغاية التي جاءت بها الانتخابات، لكن من المعلوم أنها ليست كذلك في بلادنا، وإن كان الحال لدينا أفضل مما هو لدى غيرنا في بلدان العالم الثالث، لكن مع ذلك ليس هو المأمول بعد مضي 39 عاما على إجراء أول انتخابات نيابية في المملكة بعد عودة الحياة الديمقراطية عام 1989.

لكن، وعلى الرغم مما في الانتخابات من خروقات أبعدتها عن قيم النزاهة والاختيار الحر زمنا طويلا، إلا أن شكل التنافس على الموقع النيابي أو البلدي أو اللامركزي، مؤخرا، ما زال متخلفا ويتخذ أساليب غير حضارية أو ديمقراطية عندما تكون طريقة التعاطي مع الترشح تشابه تلك الطرق الذي يتم فيها "تطييب خواطر" المتخاصمين في القضايا المجتمعية.

وهذا شائع في كل الانتخابات التي تشهدها المملكة، لكن المستغرب أننا ما زلنا نشهدها في الانتخابات على مواقع المكتب الدائم في مجلس النواب، عندما "تكد" جاهة على بيت نائب لثنيه عن الترشح للموقع والتنازل لحساب مرشح آخر.

بيد أن الأغرب والذي يتنافى مع معايير حق الجميع في التنافس وإفراز الصناديق ما يُفترض انه الأكفاء أن يشترط المتنازل عن الترشح للموقع القيادي أن لا يلاحقه أحد في المرات المقبلة على أي موقع يقرر الترشح إليه في مجلس النواب.

والأغرب أن يقطع النواب على أنفسهم وعدا بعدم ملاحقة المرشح المنسحب إلى أي موقع يريده في المستقبل، وهو أسلوب من شأنه أن يقلل من قدر مجلس النواب تحديدا أن أيا من المتنافسين لم يعلن برنامج عمل يغري به غيره  

هذا الانحدار في شكل التعاطي مع قيمة الانتخابات سببه غياب التمثيل السياسي الحزبي عن قبة البرلمان، لأن طريقة الانتخاب في الانتخابات النيابية أو البلدية أو اللامركزية والتي تطغى عليها الفردية والعشائرية وغياب الأحزاب والبرامج تنعكس بالضرورة على انتخابات المواقع القيادية في مجلس النواب أو في غيره من مجالس.

وهذا ما يؤكد على أنه لا بديل عن الأحزاب والبرامج في مختلف العمليات الانتخابية، وأن مجالس النواب وما تشكله من كتل برلمانية داخل المجلس ليست أكثر من ديكور برلماني إن لم يضر فهو لا ينفع.

لذلك فإن المطلوب من  الدولة أولا أن تتخذ قرارا لا عودة فيه في تطوير الحياة الحزبية، ويتطلب من الأحزاب أن تتحول إلى مؤسسات برامجية لها حظوة جماهيرية، بحيث تندمج المتشابهة في برامجها، لأن تعداد الاحزاب لا يمكن أن يكون مؤشرا على الديمقراطية في ظل غياب أثرها وتأثيرها في المشهد السياسي.

لذلك، يمكن للمرء القول وهو مطمئن، أن الغالبية من الأحزاب لدينا لا ترتقي إلى مفهوم الحزب، بل هي أقرب إلى أي وصف ممكن أن يصفها به المراقب إلا وصف الحزب، لذلك نضحك على أنفسنا عند الحديث عن الديمقراطية في بلادنا، فما لدينا يمكن وصفه بالديمقراطية المنقوصة أو الديمقراطية العرجاء.//