الأربعاء الأسود .. المشهدُ الحاضر وجداناً و فكراً
بلال الذنيبات
مرت إثنتي عشرة سنةً عن تلك الحادثة الأليمة و التي راح ضحيتها عشراتُ الشُّهداء و مئات الإصاباتِ بتفجيرٍ ضرب فنادق ثلاثة في العاصمة الأُردُنية ، و بعد مرور سنتين تقريباً على تنفيذ حُكم الإعدام بمن تورط في التفجيرات ، و ما تعرضت له الأُردُن من إرهابٍ آثم حديث منذ أحداث الأربعاء الأسود و أحداث إستشهاد الطيار الكساسبة و إربد و الرقبان و مخابرات البقعة و الكرك ، و ما أحبطته سواعد مخابراتنا العظيمة من مخططات إرهابية كبيرة كان يخطط لها لجر البلاد للفوضى الخلاقة.
كُلنا يتذكر ما سبق أحداث عمان في 2005 من تبني المملكة لرسالة عمان السمحة و التي تجسد الرؤية المُنصفة للإسلام نهجاً و فكراً و تبني جلالة الملك دوماً الخطاب الإسلامي المعتدل في المحافل الدولية إبتدائاً بأخر ما ألقاه سمو ولي العهد الحسين بن عبدالله الثاني أمام الجمعية العمومية و إنتهاء بالأُسس التي قامت عليها المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة المؤسس عبدالله الأول رحمه الله رحمةً واسعه و التي إرتكزت على الوسطية و الإعتدال نهجاً و فكراً و سلوكاً بات راسخاً في المُجتمع من خلال ردات الفعل المتلاحقة للمجتمع و التي تثبت لكل ذي لُبٍ أن المجتمع بات مُدركاً لخطر المخططات الظلامية لمن ينبري لتوظيف أدوات العولمة لنشر السموم و الفكر الإرهابي و المتطرف على تعدد تلك المنظمات و مموليها و داعميها عرباً و عجماً.
إن تلك الأحداث التي وقعت أرسخت في الوجدان الشعبي حُباً متنامياً ترجم في إلتفاف شعبي منقطع النظير مع الأجهزة الأمنية يوم "هية الكرك الحديثة" يوم إمتدت يد الخونة و الزُعران للنيل من كرامة الوطن فآبى أهلُ الهية يومها إلا أن يلقنوا "الزُعران" درساً في أن الأُردُن عصيٌ على زُمر مخربة باتت تحاول بث السم "ولا يمكنهم أخذ إلا قوتنا" من خلال عدةِ أساليب لا تخفى على أحد موظفي أحدث التقنيات إبتداء من تفجيرات الأربعاء الأسود مرورا بما يبثونه عبر مختلف الوسائط الإلكترونية و من شايعهم من المؤسسات الصحفية المشبوهة ، إلا أن العقلانية لدى الملك عبدالله الثاني و مؤسساتنا و بالطبع في الدرجة الأولى الوعي الشعبي كان بالمرصاد ليحسر تأثير تلك السموم في نطاق ضيق لا يتجاوز الحذلقات اللغوية و الهرطقات الإلكترونية والتي لا تؤثر أبداً.
إن الواقف على حال المجتمع في أحداث عمان و إنتهاء بما تعرضنا له عبر السنوات الغابرة و التالية لتلك الأحداث يجدُ كماً وافراً من الوطنية و الحس الوطني و الذي هو بحاجة لصقل و مزيد من البلورة لنسفيد منه في البناء للمستقبل و نحن نسعى للتطوير و التحديث و "الأعتماد على الذات" كما يقول دولة الدكتور هاني الملقي بما يتطلبه ذلك من توسعة فضاء الحريات العامة لا تقويضها بمحاربة الصحافة و الزج بالصحفيين بالسجون في حين يبقى الجسم الصحفي "متردد" في تنظيب نفسه.
ذلك الحديث ليس مكانه هنا ، إلا إرتأيتُ و أنا أطل على شرائح متعددة من القراء أن أستثير و أستجر ما يرتبط بما نواجه من مخاطر "لا زالت" تُهدد الأُردُن رغم إنحسار داعش جغرافياً إلا أن الإرهاب باقٍ و لا يمكن إنهاؤه لأن الإرهاب ظاهرة عابرة للزمكريات "الزمان و المكان و الذكريات" و هذا المصطلح أستعيره من العلامة الدكتور حسين محادين لتحليل المشكلة التي تواجهنا و نحن جزء من تحالف دولي نحارب الإرهاب.
بات الدارسون لحقول علم الإجتماع العام و خاصةً حقل إجتماع الجريمة متفقين على خطر ما يسمى "الذئاب المنفردة" و اليوم و إن بدأت داعش الجغرافيا بالإنحسار و التلاشي إلا أن عقوداً من الزمن تنتظرنا و تتطلب منا محاربة الفكر المتطرف و الذي سيغذي إرهاباً جديداً و ربما يكون بصورةٍ أفظع من داعش و هذا ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين غير مرة فهو صاحبُ نظرةٍ إشرافية حكيمة جنبت البلاد و العباد مآسي كثيرة سقطت فيها دول أكبر منا إقتصادياً و موارد .
نحنُ بحاجةٍ لتطوير منظومة التعليم و الصحافة و ضبط الصحافة من الدُخلاء على المهنة و تمكين الشباب سياسياً من خلال مجالس المحافظات و البلديات و النيابة و عمل مجالس إتحادات طلابية جامعة للشباب "ليست شكلية هزيلة" و ذات تأثير على الساحة لمواجهة التطرف و الارهاب و ملء أوقات الشباب بما هو نافع و دعم القطاع الشبابي بتوفير فرص تدريب و عمل حقيقية و خاصة في الأطراف و حل إشكاليات المواصلات و الخدمات المساندة لبيئة العمل.
و حفظ الله الوطن و القائد//