عن الشهد والدم في اليمن..
وليد حسني
لم تزل قصيدة شاعر العرب اليمني الراحل عبد الله البردوني عن اليمن التي يستهلها بقوله
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
بوصلة لخارطة تفتح لك مغاليق اليمن السياسي، بعد ان أصبح اليمن مكشوفا وعاريا، وحزينا، وسيئا وطيبا وفاشلا ومنقسما ومريضا وقتيلا وحيا ومحتربا ومنتصرا ومنهزما، وحوثيا وسنيا، ومتمردا وشرعيا.
كذا اليمن ما إن تنتهي به غاياته الى الدعة والسكينة حتى تثار في وجهه عواصف تحفه من كل حدب وصوب فلا تترك له غير بضعة خيارات أحلاهما إليه أمر من العلقم، وأصعب من طبخ الحنظل في وجبة من "المقلقل" لا ينفع معها حلاوة"المعصوب" ولا دسم "العجل الحنيذ".
واليمن هذا الأوان كما قاله البردوني شاعره المتسامي، وشاعرنا الفذ..
يما نيون يا (أروى) ويا (سيف ابن ذي يزن ).
ولكنا برغمكما بلا يُمنٍ بلا يمن
بلا ماض بلا آت بلا سرِّ بلا علن
هكذا يضيع اليمن ما بين آسرٍ يراه ضحية سهلة، وبين كاسرٍ لا يرى فيه غير ما يراه الجائع في صيده، يضيع اليمن هنا، يفتقد نهاره وليله فلا يرى من قادمات الأيام غير ما تراه الثكلى في ترملها وفي يتم بنيها وفي حاجتها لمن يواسي مرارة فقدها وجور جارها.
واليمن هذا الأوان عنوان لإحتراب لا ترى فيه جغرافيا الطموحات السياسية غير ما تراه في قطعة قماش بيد حائك يرثي بعضها ويخيط بعضها الآخر على مقاس جثة لا يعرف تفاصيلها.
هناك في البعيد يمتد اليمن السعيد على شواطيء بحرين وعاصمتين وصحراوين وتهامتنين وشاعرين، وجيشين، وسلاحين وقبيلتين، وقتيلين، وطموحين، وأيام مظلمة لن تبدد حلكتها غير تباشير تعلن استرداد اليمن من سلطة السيف والدم والإحتراب على تفسير شكل الكرسي الذي سيجلس عليه رئيسه المنتظر، أو مهديه المنتظر، أو إمامه المنتصر.
هذا الأوان أسمع صدى أسئلة اليمانيين تتلى في الطرقات، وفي فوح الجبال وتحت ظلال جنات شجر "القات":
لماذا نحن ياربى ويا منفى بلا سكن.
بلا حلم بلا ذكرى بلا سلوى بلا حزن ؟
ولا أسمع غير رجع الصدى، وأنات الحيارى في وصاب العالي، أو في تعز او إب أو صنعاء وفي الحديدة او في المخا، وفي عدن وحضرموت والمحويت، وفي ميدي والبيضا، وفي حرض تنشد مع البردوني:
ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك.
ومسؤولون في (صنعا) وفرّاشون في بابك.
ومن دمنا على دمنا تُموقعُ جيش إرهابك.
لقد جئنا نجر الشعب في أعتاب أعتابك.
ونأتي كلما تهوى نمسِّح نعل حجابك.
ونستجديك ألقابا نتوجها بألقابك.
كذا هو اليمن اليوم يموج بين عيدان النحل والعسل، وبين أكفان الموت والدم والكوليرا، لا إمام هنا في صنعاء يهدد اليمنيين الطيبين بالجن الأزرق، وليس في جبال اليمن من زعيم يسأل نفسه إن كان هو أول الضحايا أو آخرهم، فالقبيلة تقاذفتها حرب الدم والعسل، واليمن يغرق في كل مآسيه التي لم تكن يوما على مقاسه، إلا أن صوتا صارخا في برية اليمن يمنحك بعضا من أمل..
يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن
جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن
وهذا بعض من حالة اليمن، الصورة الأولى في ألبوم الحكمة، وفي سجل العرب العرب، وليس لي غير حدائي مع البردوني
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري