عرضٌ كبير من دمشق لاكراد سوريا ... حكم ذاتي وانسحاب من مناطق الاغلبية العربية

 

عواصم – وكالات - الانباط –- مامون العمري

ينظر أكراد سوريا بقلق إلى التطورات الأخيرة المتعلقة بمستقبل إقليم كردستان العراق، وخاصة بعد تدخل القوات العراقية المدعومة بتحالف الحشد الشعبي إلى محافظة كركوك واستعادة الأماكن الحيوية فيها.

ويعوّل الحراك الكردي السوري الذي يتقدمه حزب الاتحاد الديمقراطي على ما ستؤول إليه التطورات في شمال العراق، لا سيما وأن أكراد سوريا يعتبرون تجربة كردستان العراق مرجعاً للكيفية التي يمكن لأكراد المنطقة العبور منها نحو مستويات سياسية تعزز حقوقهم وتعترف بخصوصيتهم.

الى ذلك أفادت وكالة "الأناضول" أنّ دمشق اقترحت منح حكم ذاتي لأكراد سوريا، مقابل انسحابهم من المناطق ذات الغالبية العربية، التي سيطروا عليها خلال الحرب، لكن العرض قوبل بالرفض.

جاء ذلك، بحسب الوكالة، خلال اجتماع عقده اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري، مع مسؤولين بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في المنطقة الواقعة تحت سيطرة السلطات السورية بمدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة شمال البلاد.

ونقلت الأناضول عن مصادر وصفتها بالموثوقة، أن مملوك اقترح على الحزب منحه "منطقة حكم ذاتي" شمالي البلاد، مقابل انسحابه من المناطق ذات الغالبية العربية، إلا أن الأكراد رفضوا عرض دمشق، مطالبين بـ"منطقة فدرالية يضمنها الدستور".

وأشارت المصادر، إلى أن المفاوضات بين الحكومة والحزب لم تسفر عن أي نتيجة، واتفق الطرفان على الاجتماع مرة أخرى في وقت لاحق.

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قد أعلن في أواخر الشهر الماضي، استعداد دمشق لمناقشة قضية الحكم الذاتي للأكراد "ضمن حدود الدولة السورية"، بعد أن يتم القضاء على "داعش".

بدوره، قال الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي شاهوز حسن، في تصريحات صحافية قبل أيام، إن "الحزب ليس مع تقسيم سوريا، وليس له أي مشروع انفصالي"، لكنه أكد تمسك الأكراد بـ"مشروع الفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا".

وأضاف أن "الحل من أجل وحدة سوريا يكمن في سوريا فدرالية ديمقراطية، كما أننا مستعدون للحوار مع كل الأطراف حول هذا الحل".

تجدر الإشارة إلى أن أكراد سوريا قد أعلنوا، في آذار عام 2016، بعد نجاحهم في صد هجمات "داعش"، وتحرير مساحات واسعة من الأراضي شمالي البلاد، عن قيام نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم، هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاءا من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب).

ونقلت الأناضول عن مصادر ميدانية، أن مسلحي الاتحاد الديمقراطي شرعوا بحفر خنادق، وإقامة سواتر ترابية في المناطق التي تفصلهم عن قوات الجيش السوري، في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة "رسم للحدود".

يذكر أن الاتحاد الديمقراطي يسيطر في الوقت الحالي من خلال ذراعه العسكري، (وحدات حماية الشعب)، على حوالي ربع الأراضي السورية، وغالبية سكانها من العرب والتركمان.

الدعم الأميركي لهم وصمود هذا الدعم أمام الضغوط التي مارستها تركيا بصفتها شريكة أطلسية عريقة وحليفة تاريخية، واتساع الرقعة التي يسيطرون عليها في سوريا إلا أن شعاراتهم السياسية، لم ترق إلى مستويات المطالبة بكيان سياسي مستقل، وبقيت في حدود الاعتراف لهم بحكم ذاتي يندرج في إطار نظام فيدرالي يقوم على أنقاض النظام السياسي السوري الحالي الذي قوضته الحرب الداخلية منذ عام 2011.

ويؤكد الأكراد أن تحالفاتهم الميدانية غير الكردية، ولا سيما مع عشائر عربية داخل “قوات سوريا الديمقراطية”، تؤكد نزوعهم إلى فيدرالية غير عرقية تأخذ بالاعتبار مصالح كافة الأعراق والمذاهب في مناطقهم.

وكان الأكراد في سوريا قد أعلنوا في مارس 2016 عن قيام نظام فيدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد. وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي في حينها عن “إقرار النظام الفيدرالي في روج آفا- شمال سوريا”، وتأسيس مجلس تأسيسي للنظام ونظام رئاسي مشترك.

الإجراء الكردي لم يحظ باعتراف النظام السوري الذي اعتبر أن “لا أساس قانونيا له”، كما لم تعترف به الولايات المتحدة التي رفضت أي تغيير داخلي لا ينتج عن اتفاق سياسي كامل في سوريا.

موقف النظام لم يقف حائلا أمام أكراد سوريا بقيادة الاتحاد الديمقراطي الذي عمل على تكريس الأمر الواقع ونظم انتخابات في 22 سبتمبر الماضي لانتخاب مجالس الأحياء التي تسمى محلياً بـ”الكومينات”، على أن تعقبها انتخابات الإدارات المحلية (انتخابات مجالس القرى، البلدات، والنواحي، والمقاطعات)، في الـ3 من شهر نوفمبر المقبل، كما حددت المفوضية العليا للانتخابات التابعة للإدارة الذاتية تاريخ 19 يناير العام المقبل، موعداً لإجراء انتخابات الأقاليم ومؤتمر الشعوب الديمقراطي (البرلمان) كأولى الخطوات الملموسة لتأسيس فيدرالية شمال سوريا.

وتفتخر أوساط كردية بأن الضغوط التي يتعرض لها إقليم كردستان العراق حالياً تحمل الماء إلى طاحونتهم من حيث “واقعية” أكراد سوريا وإدراكهم لمحدودية الأوراق الإقليمية والدولية المتوفرة للمغامرة بالقفز نحو المطالبة بدولة مستقلة.

وينقل عن مصدر كردي أن حراكهم في سوريا لم يحظ منذ ما قبل انطلاقته بعد انفجار الوضع في سوريا بما حظي به أكراد العراق تاريخيا من رعاية دولية وتعاون إقليمي.

ويضيف المصدر أن إقليم كردستان كان يحظى بوضع قانوني مستقل تعترف به بغداد دستوريا كما يعترف به العالم.

ويرى المصدر أن الإقليم العراقي كان يحظى بعلاقات متقدمة مع إيران وتركيا، وأن تلك العلاقات مع أنقرة وصلت إلى مستويات سياسية وأمنية واقتصادية استفزت المركز.

ويلفت أكراد سوريا إلى أنهم محرومون من الرعاية الإيرانية بحكم أن طهران تدعم نظام دمشق وتنظر بعين الريبة إلى تحالف الأكراد المتقدم مع الولايات المتحدة، فيما تعتبرهم أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المصنف إرهابيا في تركيا.

وعلى هذا يبني الأكراد أجندتهم على ما يمكن إنجازه في سوريا وضمن أي تسوية مقبلة على الرغم من عدم انخراطهم في العملية السياسية لجنيف وعدم التحاقهم بالعمليات التصالحية التي تشرف عليها موسكو بين دمشق ومناطق المعارضة في سوريا.

وتنفي مصادر كردية سورية أن يكون رد فعل بغداد وأنقرة وطهران على مسألة استفتاء كردستان العراق قد وضع حداً لطموحاتهم، ويعتبرون أن الخيارات التي ينتهجونها لا تتأثر بتطور وضع الأكراد في العراق.

ويقول في هذا السياق هوشنك حسن إعلامي مختص بالشأن الكردي لـصحيفة العرب  اللندنية “إن أكراد سوريا في وضع مطمئن نسبيا لجهة أنهم لم يضعوا كل بيضهم في سلة الأميركيين بل كانوا ولا يزالون منفتحين على الروس وغيرهم من القوى الفاعلة، وهم يطرحون مشروع إقامة فيدرالية سورية وليس انفصالا”.

ورغم أن بعض الجهات الكردية السورية تعتبر أن نجاح كردستان العراق في تحقيق الاستقلال كان سينتج مفاعيل عدوى لدى أكراد سوريا كما أكراد تركيا وإيران، إلا أنهم لم يراهنوا يوماً على ذلك، خصوصا وأن خلافا عميقا يفصل بين الرؤية التي تعامل بها إقليم كردستان العراق برئاسة مسعود البرزاني مع حراكهم في سوريا، كما الخلاف بينه وبين حزب العمال الكردستاني في تركيا والذي يعتبر المرجع الأساس لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا.

وتعتقد مصادر كردية أن القواعد الجيوستراتيجية التي ستنتج عن واقع التطور الأخير في كركوك كما عن مروحة العقوبات التي تفرضها بغداد وأنقرة وطهران، فضلا عن حالة الانقسام القديم الجديد بين أربيل والسليمانية، ستحدد هامش المناورة الذي يمكن لأكراد سوريا التحرك داخله.

وتلفت المصادر إلى أن الترتيبات الروسية التركية في شمال سوريا، ولا سيما تلك المتعلقة بإدلب، قد تعرقل طموح الأكراد في السيطرة على شريط بري متواصل على حدود السورية التركية يربط أقاليم الإدارات الذاتية الكردية الثلاث من الجزيرة في شمال شرقي سوريا وقرب كردستان العراق إلى عين العرب (كوباني) وعفرين قرب حدود تركيا، لكن هذه المصادر تقول إن العالم لا بد أن يعترف بالأمر الواقع الذي فرضه الأكراد بدعم ورعاية غربية.

ويدرك أكراد الـ”ب. ي. د.” أن الدعم الأميركي لهم مرتبط بالحرب ضد داعش وأن انتهاء الحرب قد يعيد تعريف هذا التحالف. ورغم عدم تعويل أكراد سوريا على دعم أميركي غير مشروط، إلا أنهم يرون أن القواعد العسكرية الأميركية، التي يبدو أنها ستبقى في المناطق التي يسيطرون عليها، ستسهر على حمايتهم سياسيا داخل أي تسوية مستقبلية للأزمة السورية.

وجدير بالذكر أن قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات الشعب الكردي قد نجحت وبدعم من التحالف الدولي في إنهاء وجود عناصر داعش من أرض “الخلافة” بالرقة الثلاثاء. وستصبح هذه المدينة كما الجزء الأكبر من المحافظة بيد الأكراد، الذين خطوا بهذا الفوز خطوة جديدة نحو تعزيز نفوذهم في شمال سوريا وشرقها.

ويشدد الخبير السياسي هوشنك حسن أن المشروع الكردي في سوريا سائر نحو التحقق، ولكن هذا لا يعني عدم أخذ الأحداث في العراق بعين الاعتبار وأن يكون أكراد سوريا جاهزين لكل الاحتمالات.

 

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعلن الشهر الماضي  أن حكومته مستعدة للتفاوض مع الأكراد على مطلبهم الخاص بالحكم الذاتي في إطار حدود الدولة السورية، في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين مختلف الأطراف في شرق سوريا.

ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء عن المعلم قوله في مقابلة مع قناة آر.تي إن الحكومة قد تبحث مطلب الأكراد ما إن تتحقق هزيمة تنظيم داعش.

وقال المعلم إن السوريين الأكراد "يريدون شكلا من أشكال الإدارة الذاتية ضمن حدود الجمهورية العربية السورية... هذا الموضوع قابل للتفاوض والحوار ونحن عندما ننتهي من القضاء على داعش يمكن أن نجلس مع أبنائنا الأكراد ونتفاهم على صيغة للمستقبل".

وتسيطر وحدات حماية الشعب الكردية السورية على مساحة من شمال سوريا حيث أقام حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الكردي الرئيسي، وحلفاؤه حكما ذاتيا منذ بدء الحرب الأهلية السورية عام 2011.

ويقول أكراد سوريا إن هدفهم هو الحفاظ على الحكم الذاتي في إطار حكم غير مركزي في سوريا ولا يهدفون إلى الاقتداء بأكراد العراق الذين أجروا يوم الاثنين استفتاء على الاستقلال.

وفي الأسبوع الماضي أجرت السلطات الكردية في شمال سوريا انتخابات لاختيار قيادات للمجتمعات المحلية في المرحلة الأولى من عملية تتم على ثلاث مراحل وتبلغ ذروتها في كانون الثاني بانتخاب برلمان.

 

واشنطن تضغط لضم أكراد سوريا إلى المفاوضات

 

ذكر تقرير إعلامي أن الولايات المتحدة تضغط لجهة إشراك أكراد سوريا في المفاوضات، كما كشف التقرير عن مداولات بين روس وأكراد حول مدى قبول تحول سوريا إلى "دولة اتحادية - فيدرالية" على غرار النموذج الروسي.

أفادت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية يوم (الأحد 29 تشرين الأول 2017) بأن واشنطن أبلغت المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا بضرورة ضم الأكراد إلى عملية المفاوضات السياسية، الأمر الذي يتوقع أن يثير غضب أنقرة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا تزامن مع نصيحة الخارجية التركية لـ "الائتلاف الوطني السوري" المعارض بالتعاطي الإيجابي مع "مؤتمر حميميم" الذي ترعاه موسكو واشتراط عدم مشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي القول إن الفترة المقبلة ستكون مهمة إزاء سلسلة من المؤتمرات، هي: اجتماعات آستانا ، والمؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض في 10 تشرين الثاني ، و"مؤتمر شعوب سوريا" في حميميم في 18 تشرين الثاني ، والجولة الثامنة من مفاوضات جنيف في 28 من الشهر ذاته. وأشارت الصحيفة إلى حدوث مداولات بين فنيين روس وأكراد حول مبادئ الدستور، ومدى قبول تحول سوريا إلى "دولة اتحادية - فيدرالية" على غرار النموذج الروسي.

مكامن القوة :- أكراد سوريا يسيطرون على أكبر حقول النفط بدير الزور

حققت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من واشنطن، تقدما استراتيجيا فى محافظة دير الزور، بعد سيطرتها على حقل العمر، أكبر حقل نفطى سورى، بعد 3 أيام من انسحاب تنظيم «داعش» منه، كما استعاد الجيش السورى، أمس، سيطرته على بلدة خشام فى الريف الشمالى الشرقى لدير الزور، بعد مواجهات أسفرت عن مقتل العشرات من مسلحى «داعش» وتدمير عرباتهم.

وقال المرصد السورى لحقوق الإنسان إن قوات سوريا الديمقراطية سيطرت على حقل العمر، الذى وصل إنتاجه قبل اندلاع النزاع السورى إلى 30 ألف برميل يومياً، والذى شكّل أبرز مصادر تمويل «داعش»، الذى سيطر عليه فى 2014، قبل أن ينخفض إنتاجه تدريجياً، لتعرضه مراراً لغارات جوية من التحالف الدولى، ويقع حقل العمر على الضفة الشرقية لنهر الفرات فى دير الزور.

واتهمت موسكوالتحالف الدولى، الذى تقوده الولايات المتحدة، بقصف الرقة السورية بشكل مشابه للغارات الجوية على مدينة دريسدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، ومحاولة إخفاء حجم التدمير بالمسارعة إلى تقديم مساعدات إنسانية.